La Naissance de la philosophie scientifique
نشأة الفلسفة العلمية
Genres
وعلى الرغم من أن هذا الكتاب يتناول المذاهب الفلسفية والتفكير العلمي، فإن مؤلفه لم يفترض في القارئ معرفة بالاصطلاحات الفنية للموضوع الذي يعالجه؛ فهو يتضمن على الدوام شرحا للمفاهيم والنظريات الفلسفية، يسير جنبا إلى جنب مع ما يوجه إليها من نقد. ومع أن الكتاب يبحث في التحليل المنطقي للرياضة والفيزياء الحديثتين، فإنه لا يفترض في القارئ أن يكون رياضيا أو فيزيائيا، فإن كان لدى القارئ من الحس السليم ما يكفي لكي يبعث فيه الرغبة في أن يعرف أكثر مما يمكن أن يعرفه بالحس السليم وحده، فإنه يكون قادرا على تتبع مناقشات هذا الكتاب.
وإذن فمن الممكن استخدام هذا الكتاب مقدمة للفلسفة، وللفلسفة العلمية بوجه خاص. ومع ذلك فليس الهدف منه تقديم ما يسمى بالعرض «الموضوعي » للمعلومات الفلسفية التقليدية؛ إذ إنه لا يحاول عرض المذاهب الفلسفية بطريقة الشارح الذي يود الاهتداء إلى قدر من الحقيقة في كل فلسفة، ويأمل أن يقنع قراءه بأن من الممكن فهم كل مذهب فلسفي؛ ذلك لأن هذه الطريقة في تعليم الفلسفة ليست ناجحة كل النجاح؛ فقد وجد الكثيرون، ممن أرادوا دراسة الفلسفة من خلال كتب تزعم أنها تقدم لها عرضا موضوعيا، أن النظريات الفلسفية قد ظلت مستغلقة على أفهامهم، وحاول غير هؤلاء أن يفهموا المذاهب الفلسفية على قدر استطاعتهم، وأن يجمعوا بين نتائج الفلسفة ونتائج العلم، ولكن تبين لهم أنهم لا يستطيعون الجمع بين العلم والفلسفة، ولكن، إذا كانت الفلسفة تبدو غير مفهومة بالنسبة إلى الفكر غير المتحيز، أو تبدو متعارضة مع العلم الحديث، فلا بد أن يكون الذنب في ذلك ذنب الفيلسوف؛ فلكم ضحى بالحقيقة في سبيل رغبته في تقديم الإجابات، وبالوضوح استجابة لإغراء الكلام المجازي، فضلا عن أن لغته كانت تفتقر إلى الدقة التي هي منقذ العالم من مزالق الخطأ. وعلى ذلك، فإن شاء العرض الفلسفي أن يكون موضوعيا، فعليه أن يكون موضوعيا في معايير نقده، لا بمعنى النسبية الفلسفية.
1
وإذن فالمقصود من أبحاث هذا الكتاب أن تكون موضوعية بهذا المعنى؛ فهذا العرض موجه إلى الكثيرين الذين قرءوا كتبا في الفلسفة والعلم ولم يجدوا فيها رضاءهم، والذين حاولوا الاهتداء إلى معان، ولكنهم وجدوا أنفسهم غارقين في دوامة من الألفاظ، ومع ذلك فإنهم لم يفقدوا الأمل في أن تصل الفلسفة، يوما ما، إلى ما وصل إليه العلم من دقة وإحكام.
على أن الناس لم يدركوا بعد، بما فيه الكفاية، أن مثل هذه الفلسفة العلمية موجودة بالفعل، فما زالت هناك غشاوة عن الغموض، متخلفة عن عهود الفلسفة التأملية، تحجب كل معرفة فلسفية عن أعين أولئك الذين لم يتدربوا على أساليب التحليل المنطقي. ولقد أخذت على عاتقي كتابة هذه الدراسة أملا في تبديد هذه الغشاوة بالهواء المنعش للمعاني الواضحة؛ أي إن هدف هذا الكتاب هو البحث في جذور الخطأ الفلسفي، وتقديم الأدلة التي تثبت أن الفلسفة قد ارتفعت من الخطأ إلى الصواب.
هانز ريشنباخ
جامعة كاليفورنيا، لوس أنجليس
الباب الأول
جذور الفلسفة التأملية
الفصل الأول
Page inconnue