71

يقولون: إن الحاكم الإفرنسي؛ أي القومندان ترابو، لم يكن مهابا لأجل شخصيته؛ بل لكونه «ابن فرنسا»، ووراؤه جيوشها وزحافاتها وطياراتها، فشخصية الحاكم الوطني - هذا إذا وجدت - لا تكفي، بل يلزمها دعامة، وأين هي؟

يقولون: يوجد أقليات ناقمة قد تسيطر على الحاكم الوطني بالرشوة أو بغيرها، فيميل إلى خيانة لبنان و... خيانة فرنسا.

ويقولون: لا عبرة في الحاكمية، وطنية كانت أم أجنبية، الجوهر أن يكون الشعب هو المسيطر على مصيره، وأن يسير الحاكم بإرادة الشعب.

جميلة هذه الأمنية ... لو لم تكن غرارة كالسراب، لنصرف النظر عنها، ولنتآلف - صفقة واحدة - مع فكرة أساسية هي اليوم حجر الزاوية، الإدارات والمجالس والبلديات والحكومة كلها، وكل صامت وناطق هو قيد إرادة المفوضية. والحاكم، وطنيا كان أم فرنسيا، لا يخطو خطوة إلا بإشارة أمين السر العام.

هذه الحالة ستظل مرعية الجانب حينا لا يعرف مقدارها، فإذا لم يكن لنا بعد حق السيطرة على أمورنا، فلينصبوا لنا حاكما وطنيا يكون الرسول الأمين بيننا وبين رجال الانتداب؛ ليجعلوا لنا حاكما وطنيا يرفع إلى المفوض السامي أماني الشعب كما يسمعها بأذنه وبقلبه.

اجعلوه بلديا نعرفه ويعرفنا فلا نقف على باب الأجنبي كمن يطلب صدقة، خذوه واسع الثروة فتأمنوا الرشوة، أصيلا لا سبيل للصغارة إلى نفسه، قيدوه بقانون يؤمن الطوائف على مالها، وينص على عزله إذا هو سعى إلى الخيانة ...

أما النقمة، فالفوضى، فالثورة، فهي أدواء لها عند السياسة دواء، والحجج في غير هذا واهية كخيط العنكبوت، والدعامة الدعامة هي فرنسا أولا وآخرا، هي تحمي لبنان يوم يكون حاكمه فرنسيا، ويوم يكون وطنيا؛ لأن من صالحها أن تحميه. وما تنصيب الحاكم الوطني سوى برهان جديد على عطفها، وعلى حبها للحرية، لها أولا ثم الناس.

أما الخوف علينا من أن نأكل بعضنا، فماذا نقول فيه؟ دعونا نضحي مصالحنا الفردية في سبيل الخير العام، دعونا نتعلم على حساب أنفسنا، دعونا نسقط وننهض، وننهض ونسقط إلى أن تعلمنا هفواتنا أن الله في السماء، والجار قرب الجدار.

وإذا حدثت بعض الضحايا فلماذا ننادي بالويل؟ لماذا نعتقد أن الوطن يبتدي وينتهي عند باب الصندوق؟ إن حذر المتطيرين يدل على خوف. ومتى كان الخوف من شيم الرجال؟ نحن نتشاءم نسبة إلى أفكارنا الحذرة على مصالحنا «الفردية»، ولو فكرنا لجابهنا الشر واقتلعناه من أصوله.

هي خطوة نحو الاستقلال، فلنخطها ولنضح في سبيلها، ولا نقولن: يجب أن ننتظر حتى نتمرن على الحرية. إن أحسن مدرسة للاستقلال هي «الاستقلال».

Page inconnue