Narrations of the Battle of Hunayn and the Siege of Taif
مرويات غزوة حنين وحصار الطائف
Maison d'édition
عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية،المدينة النبوية
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤١٢هـ
Lieu d'édition
المملكة العربية السعودية
Genres
المجلد الأول
مقدمة
...
شكر وتقدير
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله وحده تتحقق جلائل المهمات، وعليه وحده الاتكال في جميع الملمات، وبعد:
فإني أشكر في هذه الكلمة أستاذي الدكتور أكرم ضياء العمري على جهوده الموفقة مع جميع أبنائه الطلاب عمومًا، وعلى ما أولاني من بالغ عنايته، وشديد حرصه، وما قدمه لي من التوجيه والإرشاد، وغزير الفوائد العلمية من أجل إخراج هذا البحث على الوجه العلمي المطلوب، وهذا دأب شيخنا الكبير في إعانة تلاميذه بفوائده العلمية، وفرائده التوجيهية من الناحية الشكلية والموضوعية، وما كان يبخل بزمنه المليء بالأعمال العلمية المتعددة، ولا بتوجيهاته أو تنبيهاته على سهو غفلت عنه، أو غلط وقعت فيه، أو فكرة نادّة لم أكن متنبها لها.
ولا أجد كلمة تفي بشكره، وتعبر عما تكنه نفسي له من عرفان بالجميل وتقدير لعطائه العلمي، غير أن الرسول الكريم ﷺ أرشدنا إلى ما يكون المناسب في مثل هذا المقام فقال: "ومن صنع إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه١ به فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه" ٢.
وانطلاقًا من هذا المبدأ، فإني سأظل – إن شاء الله تعالى – داعيًا له بالتوفيق وازدياد العلم النافع والعمل الصالح، والله - جل وعلا - يقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾ ٣.
وأشكر القائمين على الجامعة الإسلامية الذين سعوا ويسعون جادّين لتيسير سبل طلب العلم الشرعي لأبناء العالم الإسلامي، وأسأل الله أن يعينهم على
_________
١ سقطت النون في أكثر روايات هذا الحديث بلا ناصب ولا جازم، ولعلها سقطت تخفيفًا، وقد ثبتت في رواية الإمام أحمد.
٢ أبو داود: السنن ١/٣٨٩ كتاب الزكاة، باب عطية من سأل بالله ﷿. والنسائي: السنن ٥/٦١ كتاب الزكاة، باب من سأل بالله ﷿. وأحمد: المسند٢/٦٨، ٩٥ - ٩٦، ٩٩، ١٢٧ الجميع من حديث عبد الله بن عمر. وصححه النووي كما في رياض الصالحين ص٦٠٥ حديث ١٧٣١.
٣ سورة الكهف - آية: ٣٠.
1 / 5
مساعيهم الحميدة، وأن يجنبهم كل مكروه، وأن يزيد هذا الصرح العلمي الشامخ مزيدًا من التقدم والازدهار ماديًا وأدبيًا في ظل هذه الحكومة المباركة التي تعنى بقضايا الإسلام والمسلمين في كل أنحاء المعمورة، ومن براهين عنايتها الفائقة بتضامن المسلمين وحل مشكلاتهم واتفاق كلمتهم دعمها لهذه الجامعة العلمية العظيمة بكل ما تحتاج إليه من وجوه الدعم المختلفة، ولا شك أن هذه الجامعة قد امتد نفعها وتأثيرها في العالم كله، ممّا يكون في ميزان حسنات هذه الدولة الرشيدة، بل ذلك من أكبر حسناتها، وأجلّ أعمالها التي يعود نفعها وخيرها على المسلمين جميعًا.
فجزاهم الله خير الجزاء، وسدد خطاهم، ووفقهم إلى ما فيه تقدم المسلمين واستعادة مجدهم، وحقق لهم ما يصبون إليه من تضامن العالم الإسلامي على هدي الكتاب والسنة وسبيل سلف الأمة، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلاّ ما صلح به أولها.
﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾، [سورة العنكبوت، الآية: ٦٩] .
وفي ختام هذه الكلمة أتوجه بالشكر والتقدير على وجه العموم لكل من كان له مشاركة في إخراج هذا البحث، وأعانني عليه من جميع الأساتذة والإخوة الزملاء وغيرهم من الإخوة الفضلاء، شكر الله للجميع عونهم ودعمهم، وجزاهم الله خير الجزاء.
والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله على عبده ورسوله الأمين، وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين. والله الهادي إلى سواء السبيل.
1 / 6
المقدِّمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فقد هيأ الله لي أن أكون من طلبة علوم السنة النبوية، وأن أسهم في دراسة السيرة النبوية الطاهرة، فكانت البداية أن تقدمت بدراسة غزوة (بني المصطلق) دراسة علمية متخصصة، أحسبها الأولى من نمطها في تجلية حقائق تلك الغزوة، وبيان أحداثها التاريخية، وعبرها وأحكامها، وغير ذلك ممّا له صلة بها، وكانت تلك أطروحتي لنيل شهادة العالمية (الماجستير)، وكان لتلك التجربة - بالنسبة لي- صداها العميق في نفسي، حيث ارتبطت تَوَجُّهاتي العلمية بخدمة سيرة أحب الخلق إلى الله وأكرمهم عليه، تلك السيرة النقية الحقيقة بالحب والإكبار، الجديرة بالبحث العلمي الجادّ الذي يرسي حقائقها، وينفي عنها الزَبَد١ ليذهب جُفاء٢ ويمكث ما ينفع الناس.
ولن يتم ذلك إلا بعد التطواف العلمي الحثيث القائم على مناهج المحدِّثين وطرق تقويمهم للحديث النبوي الشريف، وصولًا إلى نتائج علمية محققة، ينتفع بها الدارسون لهذه السيرة العظيمة العطرة، ويزدادون اطمئنانًا ويقينًا بهذا الجانب الخطير من جوانب حياة المصطفى ﷺ.
وفي طليعة هذا التقديم أود أن أشير إلى أهم القضايا التي يحسن أن أتناولها فيه، وستكون على النحو الآتي:
1 / 7
أ - دراسة السيرة واجب إسلامي:
إن إبراز مكانة السيرة النبوية، وإظهار عظمتها في العصر الحديث لهو من الأمور الضرورية في مواجهة تحديات هذا العصر المتكاثرة، ذلك أن عصرنا الحاضر يقوم على مناهج تربوية مؤثِّرة في صبغ الأجيال الصاعدة بصبغة جاهلية معاصرة، في الأعم الأغلب، وقد شمل هذا الفكر التربوي والأدبي أجيال المسلمين، وتغلغل في نفوسهم، واحتل مكان الصدارة في التوجيه والتأثير، وفقدت الأجيال - أو كادت - ثقتها لتراثها، واشتدت الهجمات القوية العنيفة على علوم الإسلام وحضارته، بما في ذلك التشكيك في سيرة الرسول ﷺ، مستغلين في ذلك بعض الروايات الضعيفة والحكايات الغريبة، والمبالغات الشاطحة، التي لم يقم عليها دليل، ولم يسندها عقل، ولم تثبت بنقل فكان لزامًا على الدارسين المختصين أن يولوا هذه السيرة الزكية بالغ اهتمامهم، جمعًا ودراسة وتمحيصًا وتحقيقًا مستندين في ذلك إلى قواعد المحدثين في الجرح والتعديل لكشف العلل الغامضة فيها، وبيان الصحيح من الضعيف في نصوصها.
وإذا كان مصطلح الحديث قد طبق تطبيقًا رائعًا في تقويم الأحاديث النبوية والحكم لها أو عليها، من خلال دراسة الأسانيد والمتون، فإن ذلك لم يطبق مثله أو قريبًا منه في دراسة السيرة النبوية وأحداثها وغزواتها، إلى غير ذلك من قضاياها العديدة.
هذا جانب من جوانب دراسة السيرة.
والجانب الآخر هو الجانب التحليلي المعاصر، الذي يعنى فيه الدارس بتجلية حقائق السيرة النبوية من الناحية الفكرية والتربوية والفقهية بأسلوب قوي أخّاذ، يهدف إلى تحبيب الناس في هذه السيرة، وترغيب الأجيال في الإقبال عليها والاقتداء بصاحبها العظيم ﵊، وإبراز جوانبها المشرقة، ووقفاتها المضيئة، وأشهد أنني لم أقم بشيء يذكر في هذا الجانب؛ لأن الأصل في بحثي تحقيق نصوص السيرة من الوجهة الحديثية الصرفة، ولأن الوقت لا يساعد على الجمع بين الحسنين، ولكني أقرر أن هذا واجب عظيم تجاه خدمة هذه السيرة المباركة.
1 / 8
ولا أنسى أن أنوّه١ بدراسة جيدة بدأت في هذا الجانب لبعض المهتمين بقضايا الدعوة الإسلامية في هذا العصر٢، ولكن الأمر يحتاج إلى المزيد الذي يغطي جوانب هذه السيرة تغطية كاملة.
وإغفال هذا الجانب التحليلي في دراسة السيرة النبوية خطأ جسيم في حق السيرة، وترك لواجب يفرضه الواقع المعاصر، وتقتضيه حاجة الأجيال الملحة.
ب - كلمة عن السيرة وضرورة التكامل في دراستها:
لفظ السيرة يراد به في اللغة: السنة والطريقة والهيئة، يقال: سار بهم سيرة حسنة، وسار في الناس سيرة حسنة أو قبيحة٣.
والسيرة على هذا تشمل في مدلولها اللغوي المنهج والطريقة التي يتبعها الراعي في رعيته، والرجل في أهله٤.
كما تطلق السيرة على الهيئة والحالة.
وبتأمل إطلاقات العلماء للفظ السيرة، يظهر أن السيرة مرّت في مدلولها الاصطلاحي بتطورات علمية بارزة، فبالنظر في صنيع العلماء الذين عنوا بتسجيل غزوات الرسول ﷺ وسراياه، وما يتبع ذلك من شؤون الحرب بين المسلمين وأعدائهم في العهد الأول، مثل عروة بن الزبير وأبان٥ بن عثمان بن عفان، ومحمد بن شهاب الزهري، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم.
_________
١ نوهت بالشيء، ونوهته تنويهًا رفعته ونوهت باسمه، رفعت ذكره. (لسان العرب ١٧/٤٤٢)
٢ وذلك مثل: فقه السيرة للغزالي، وفقه السيرة للبوطي، والسيرة النبوية للندوي، والسيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة لأبي شهبة، ودراسة في السيرة للدكتور عماد الدين خليل، والسيرة النبوية دروس وعبر للدكتور مصطفى السباعي، وخاتم النبيين لمحمد لأبي زهرة، وسيرة الرسول ﷺ لمحمد عزة دروزة. ولكن الموضوع بحاجة إلى جهود أكثر.
(لسان العرب لابن منظور ٦/٥٦)، و(مختار الصحاح لمحمد بن أبي بكر الرازي ص ٣٢٥)، و(المصباح المنير لأحمد ابن محمد الفيومي ١/٣٥٣)، و(القاموس المحيط لمحمد بن يعقوب الفيروزآبادي ٢/٥٤) .
(دي الساري: لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني ص١٣٦) .
٥ وفاته سنة (١٠٥هـ) . (التقريب ١/٣١) .
1 / 9
ثم من جاء بعدهم أمثال: موسى بن عقبة، ومحمد بن إسحاق، وأبو معشر١ السندي، وشرحبيل٢ بن سعد، والأربعة من تلاميذ الزهري، ثم محمد بن عمر الواقدي، ومحمد بن سعد، ثم المؤرخ العظيم الإمام الطبري، وغيرهم من أئمة السير والمغازي القدامى الذين هم الأصل في هذا العلم.
يتبيّن للناظر في تآليفهم العلمية أنهم يخصون لفظ السيرة بالغزوات والسرايا في عهد الرسول ﷺ، وما يقع فيها من قضايا متعددة الجوانب، لذلك قال الفيومي: "وغالب اسم السيرة في ألسنة الفقهاء على المغازي"٣.
وهذا المدلول الاصطلاحي استمر في الأدوار التاريخية المتلاحقة فإذا أطلق هذا اللفظ انصرف الذهن إلى الغزوات والسرايا وما له صلة بها قبل المعركة وبعدها.
وهناك مصادر أساسية جعلت السيرة بهذا المدلول جزءًا من موضوعاتها وبحوثها، مثل: "دلائل النبوة" للبيهقي، فقد ذكر مباحث السيرة في ثنايا عرضه لما يتصل بحياة الرسول ﷺ.
وممّن جرى على هذا المنوال من المتأخرين: ابن سيد٤ الناس في كتابه "عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير"، وأبو زكريا يحيى بن أبي بكر العامري في كتابه "بهجة المحافل وبغية الأماثل في تلخيص السير والمعجزات والشمائل"، وشهاب الدين أحمد بن محمد القسطلاني في كتابه "المواهب اللدنية بالمنح المحمدية"، فهذه الكتب جمعت بين الشمائل، وهي الصفات الخُلقية٥ والخلقية لرسول الله ﷺ، وبين الدلائل وهي البراهين على صحة نبوته ﷺ، وبين السرايا والمغازي التي تمت في حياته ﷺ وهذا الصنيع أقرب إلى مدلول لفظ السيرة من الوجهة اللغوية، لأن السيرة في اللغة العربية تدور على معنيين:
_________
١ أبو معشر السندي: هو نجيح بن عبد الرحمن السندي المدني، مولى بني هاشم، مشهور بكنيته، توفي سنة (١٧٠هـ) . (التقريب ٢/٢٩٨) .
٢ شرحبيل بن سعد، أبو سعد المدني، مولى الأنصار (ت١٢٣هـ) (التقريب ١/٣٤٨) .
(المصباح المنير ١/٣٥٣) .
٤ هو أبو الفتح اليعمري محمد بن محمد.
٥ الخلق- بضم الخاء واللام وسكونهما-: الدين والطبع والسجية، وحقيقته أنه لصورة الإنسان الباطنة، وهي نفسه وأوصافها ومعانيها المختصة بها. والخلق- بفتح الخاء وسكون اللام-: صورة الإنسان الظاهرة وأوصافها ومعانيها. (النهاية لابن الأثير ٢/٧٠) .
1 / 10
الأول: الطريقة والمنهج والسنة المتبعة.
والثاني: الهيئة والحالة والصفات الجبليّة١ والكسبية.
وعلى هذا يمكن القول بأن مصطلح السيرة شامل لجميع ما يتصل بتطبيقات الرسول ﷺ العملية للإسلام، وهذا المعنى العام يمكن أن يلحظه الباحث عند بعض العلماء الأجلاء مثل الإمام ابن قيم الجوزية في كتابه العظيم (زاد المعاد في هدي خير العباد) فهو كتاب جامع لسيرة الرسول ﷺ في السلم والحرب وفي العبادة والمعاملة، وفي بيته مع أهله وخدمه، ومع سائر الناس، فكان رصدا كاملا لجميع جوانب السيرة النبوية بالمعنى العام مع التحليل والاستنباط والمناقشة والتحقيق، وهي صفات أساسية في دراسة ابن قيم الجوزية ﵀، وهو وإن لم يجعل كتابه معنونا بالسيرة، إلاّ أن إدخاله للسيرة ضمن هديه ﷺ المتعدد الجوانب يدل على نظرة دقيقة إلى مفهوم السيرة عنده، ممّا يشير إلى التدرج العلمي والفكري في مسالك العلماء المختلفة لمعالجة قضايا السيرة النبوية.
وقد ذكر أئمة الحديث مباحث الغزوات والسرايا في جملة مصنفاتهم ولكن أئمة السير والمغازي الذين أفردوها بالتصنيف المستقل كانوا أكثر استقراء واستيعابا للمغازي والسير من غيرهم، لذلك صاروا أئمة في هذا الشأن يرجع إليهم فيه.
ولا شك أن تتبع هذه المصادر المختلفة لاستخراج ما له صلة بغزوة من الغزوات يحتاج من الباحث إلى زمن كاف، وجهد متواصل في كتب التراث ودواوينه٢ الواسعة، لأن مباحث السيرة النبوية لم تقتصر على كتب معينة خاصة بها.
ومن هنا تكون مهمة الباحث المعاصر في هذا الميدان أن يتنبه لهذه الحقيقة العلمية، وأن يدرك اختلاف طرائق العلماء في تناول مباحث السيرة النبوية في تصانيفهم، وما طرأ عليها من إضافات وتضخيمات بمعزل عن الصواب والحق، ذلك
_________
١ الجبلة - بكسرتين وتثقيل اللام -: الطبيعة والخليقة والغريزة بمعنى واحد. وجبله الله على كذا من باب قتل، فطره عليه. (المصباح المنير للفيومي ١/١١٠-١١١) . والمراد بذلك الصفات التي فطر الله الإنسان عليها. والصفات الكسبية هي التي تأتي بالتمرن عليها ومعالجة الإنسان نفسه عليها.
٢ جمع ديوان هو مجتمع الصحف، والكتاب يكتب فيه أهل الجيش ويجمع أيضا على دياوين، وأول من وضعه عمر بن الخطاب ﵁. (القاموس المحيط ٤/٢٢٤) .
1 / 11
أن بعض المصادر المتأخرة لم تخل من إضافات تخالف الواقع التاريخي للسيرة النبوية، وتخالف روح الإسلام ونصوص القرآن والسنة، ممّا جعل السبيل ممهدة أمام المستشرقين وغيرهم أن يشككوا في سيرة الرسول ﷺ.
وقد اشتملت كتب الشمائل والتواريخ المتأخرة عن عهود التدوين – إلاّ القليل النادر منها – على تهاويل كثيرة تذكر قبل مولد الرسول ﷺ زاعمين أنها إرهاصات١ لنبوته، وتذكر في أثناء مولده وبعد ولادته، وهي أخبار غريبة ومبالغات مرتجلة٢ لا أساس لها من الصحة يجب تنقية السيرة منها، وبيان زيفها، وقد تلقفها جمهور المسلمين وتناشدوها في حفلات الموالد وسجلوها في أشعار المديح والإطراء للرسول ﷺ، وكلها أخبار واهية، إما إسرائيليات وإما من نسج الخيال وإنشاء المداحين والقصاصين ومن على شاكلتهم، ولا شك أن مثل هذه الأساطير تفتح الباب أمام المغرضين من المستشرقين وأذنابهم لإنكار السيرة والحط منها والتشكيك في أحداثها الزاخرة، ومدلولاتها العظيمة، ومعطياتها المتعددة.
إن الباحث المعاصر حري به أن يرجع إلى نمط من المصادر الموثقة للنقاد المعتمدين في علوم الإسلام، مثل كتب الحديث وكتب الرجال وكتب التواريخ المسندة، ومن ثمّ دراسة النص التاريخي للسيرة دراسة نقدية جادّة وفق الأصول والقواعد العلمية المقررة، وهذا النوع من الدراسة هو الكفيل بوضع الحق في نصابه في حوادث السيرة النبوية ودمغ أباطيل المتزيدين والمستكثرين، ومن ثمّ إقناع كل من له إنصاف وعقل بتلك الصفات المشرقة من حياة المصطفى ﷺ.
إن المسلمين أحوج ما يكونون اليوم إلى معطيات سيرة نبيهم ﷺ في شتى مجالاتها المتنوعة. إن هذه السيرة النبوية حفظها الله للمسلمين ولم تحفظ سيرة نبي من الأنبياء كما حفظت سيرة نبينا ﷺ، ولازال الباحثون إلى اليوم وإلى قيام الساعة يتمكنون من بيان هذه السيرة ودراستها ونفي الكذب عنها كما نُفي من حديثه ﷺ رحمة من الله بهذه الأمة لتبقى لهم أعمال نبيهم وتطبيقاته وجميع تحركاته ونشاطاته المختلفة
_________
١ قال محمد بن علي التهاوني: (الإرهاص) شرعا: قسم من الخوارق، وهو الخارق الذي يظهر من النبي قبل البعثة، سمي به لأن الإرهاص في اللغة بناء البيت، فكأنه بناء بيت إثبات النبوة (كشاف اصطلاحات الفنون ٣/٤٥) .
٢ في (القاموس المحيط ٣/٣٨٢): ارتجل الكلام: تكلم به من غير أن يهيئه، وبرأيه انفرد.
1 / 12
في السلم والحرب المرجع الذي يعودون إليه فيجدون فيه أنفاسه ﷺ وإن كانت نفسه الشريفة قد فارقت الدنيا، ويقتدون بسيرته كما يتبعون سنته.
ومن هنا وجب القيام بدراستها من الناحية النقدية الحديثية، ومن الناحية التحليلية التربوية بأسلوب معاصر وعرض جديد يقربها من لغة المثقف المعاصر، وهما واجبان متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر. وبهذا المنهج يمكن استدراك النقص الناجم عن الدراسات الإنشائية المرتجلة البعيدة عن التحقيق والبحث العلمي، كما يمكن تدارك الخلل الناجم عن الدراسة المتخصصة الدقيقة التي تبعد عن التحليل العلمي المعاصر، ولا تعنى بتقريب أحداث السيرة ونصوصها من فهم المثقفين المعاصرين، مما جعل كثيرا من الدارسين المعاصرين يعتمدون في دراستهم للسيرة على كتب المستشرقين ومن نحا نحوهم في كتابة السيرة بأسلوب العصر ولغته الأدبية وتحليلاته النفسية التربوية وفق مناهج غربية لا تخلو من تحامل وتشكيك في قضايا السيرة.
وهذه الفجوة الخطيرة قد قامت محاولات١ جادّة لسدها ظهرت في صورة دراسات يغلب عليها طابع العصر في سرعة التناول وغلبة الارتجال ولكنها دراسات نافعة أفادت منها الأجيال المعاصرة، بيد أن الأمر يحتاج إلى ضرورة التكامل في دراسة السيرة.
ج - سبب اختياري لغزوة حنين:
كانت تجربتي الأولى في دراسة غزوة "بني المصطلق" تدفعني لمواصلة خدمة السيرة النبوية، وقد وقع اختياري على هذه الغزوة لبحث الدكتوراه استمرارا لهذا الاتجاه الذي أرجو أن يكون من صالح أعمالي الموفقة، كما أتمنى أن يكون عملا علميا نافعا في خدمة الغزوتين العظيمتين.
وأود أن أجمل دوافع اختياري لغزوة حنين على وجه الخصوص في النقاط الآتية:
١- كثرة أحداث غزوة حنين وتشعب مروياتها وتعدد الجوانب العلمية لوقائعها التاريخية ومعطياتها الجليلة، ممّا جعلها - في نظري - جديرة بإفرادها بالدراسة
_________
١ انظر ص ١١.
1 / 13
العلمية الوافية، لذلك اخترتها لبحث الدكتوراه عسى أن أفي بحقها وألم شعثها وأجمع متفرقها وأحقق نصوصها وفق المناهج العلمية المتبعة في نقد الروايات من الوجهة الحديثية.
٢- تعد غزوة حنين آخر غزوات الرسول الكريم ﷺ في جزيرة العرب، حيث لم تقم بعدها للوثنية العربية قائمة، وارتفع بعدها علم التوحيد عاليا في سماء الجزيرة العربية، وتهاوت ألوية الشرك، ودخل العرب جميعا بعد هذه الغزوة في دين الله أفواجا.
وغزوة هذا شأنها، وهذه بعض معطياتها حقيقة بالدراسة المتأنية والتحقيق العلمي الجادّ، لذلك أجمعت أمري على خوض غمارها، ونقد مروياتها، وتجلية أحداثها واستقصاء جميع ما يتصل بها، بحسب الإمكان وفي حدود طاقتي العلمية المتواضعة.
٣– تعددت الجوانب العلمية لهذه الغزوة فهي من جانب تشتمل على تدبيرات الرسول ﷺ العسكرية والسياسية، وهي من جانب آخر جمعت بين الهزيمة للمسلمين في بادئ الأمر ثم كانت العاقبة لهم النصر والظفر بأعدائهم.
وقد احتوت على عدد من المعجزات والدلائل على نبوته ﷺ، وفيها أيضا قضايا متصلة بالعقيدة، وأحكام فقهية واسعة، إلى غير ذلك من المسائل العظيمة البارزة التي تحتاج إلى دراسة مستقلة متخصصة تستوعب هذه الجوانب العلمية وتفي بأطرافها الموزعة في المصادر العلمية الكثيرة.
٤– الناظر في كتب التراث عامة يلحظ أن هذه الغزوة لم تحظ بدراسة علمية تجمع ما تفرق منها هنا وهناك، وتنسق موضوعاتها وفق الدراسة الموضوعية المتكاملة في أبواب وفصول ومباحث تنتظم جميع أحداثها ووقائعها التاريخية، لذلك رأيت أن أقوم بذلك الجمع العلمي لما تفرق، وبذلك الترتيب والتبويب لتلك الأحداث والوقائع المتصلة بهذه الغزوة – مع الدراسة النقدية – عسى أن يسد عملي هذا ثغرة علمية، وأن يضيف شيئا ذا بال في طريقة دراسة هذا الموضوع الخطير. والله الموفق والمستعان.
1 / 14
خطة البحث:
سار هذا البحث على خطة رسمتها لنفسي بغية الإحاطة بأطرافه على الطريقة الآتية:
١ - المقدمة: وفيها افتتاحية، ووجوب دراسة السيرة، وكلمة موجزة عن السيرة، ومصادرها، وكيف يتم التكامل في دراسة السيرة النبوية.
٢ – التمهيد: وفيه قضيتان:
الأولى: التعريف بهوازن وثقيف وفيه:
١) نسب هوازن وثقيف.
٢) تحديد مواقعهم وديارهم من الناحية الجغرافية.
٣) صلتهم بقريش:
أ - الصلة النسبية.
ب- المصاهرة.
جـ- تبادل المصالح المشتركة.
٤) موقفهم من ظهور الإسلام ودعوته.
٥) موقفهم من الصراع بين المسلمين وقريش.
الثانية: تحركات المسلمين العسكرية:
وفي هذه القضية التمهيدية تناولت ما يلي:
١) تجهيز سرية لهدم العزى.
٢) بعث سرية أخرى لهدم مناة.
٣) سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة.
وكانت هذه السرايا الثلاث قبيل معركة حنين.
وبعد هذا التمهيد الموجز رأيت أن يكون
1 / 15
الباب الأول: في الحديث عن غزوة حنين وتحته أربعة فصول:
الفصل الأول: في مقدمات غزوة حنين وفيه مبحثان:
١) سبب الغزوة.
٢) الاستعداد للمعركة.
الفصل الثاني: في المسير إلى حنين وفيه سبعة مباحث:
١) في تاريخ الغزوة.
٢) تعيين الأمير على مكة.
٣) عدد الجيش الإسلامي في هذه الغزوة.
٤) استعداد هوازن العسكري.
٥) تبشير الرسول ﷺ أصحابه بالنصر وبيان فضل الحراسة في سبيل الله.
٦) بقايا من رواسب الجاهلية.
٧) بيان من قال في هذه الغزوة "لن نغلب اليوم من قلة".
الفصل الثالث: في وصف المعركة وفيه أربعة مباحث:
١) سبب هزيمة المسلمين في بداية المعركة.
٢) مواقف مريبة إثر انكشاف المسلمين في بادئ الأمر.
٣) عدد الثابتين مع الرسول الله-ﷺ-يوم حنين.
٤) عوامل انتصار المسلمين في حنين.
الفصل الرابع: ما أسفرت عنه معركة حنين من ضحايا وغنائم وفيه مبحثان:
١) خسائر المشركين في هذه الغزوة.
٢) إصابات المسلمين في هذه الغزوة.
الباب الثاني: ملاحقة فلول المشركين والأحداث التاريخية التي أعقبت ذلك وفيه أربعة فصول:
1 / 16
الفصل الأول: تعقب الفارين نحو نخلة وأوطاس - وفيه ثلاثة مباحث:
١) التوجه إلى النخلة.
٢) سرية أوطاس.
٣) موقف شيماء وبجاد.
الفصل الثاني: في غزوة الطائف – وفيه أربعة مباحث:
١) حصار الطائف.
٢) ما صدر من التعليمات العسكرية للمسلمين في حصار الطائف.
٣) عدد القتلى من الفريقين في غزوة الطائف.
٤) فك الحصار عن الطائف والعودة إلى الجعرانة.
الفصل الثالث: في تقسيم الغنائم – وفيه خمسة مباحث:
١) الفرق بين الغنيمة والفيء والنفل.
٢) جفاء الأعراب وغلظتهم.
٣) اعتراض ذي الخويصرة التميمي على رسول الله ﷺ في قسم الغنائم.
٤) في بيان حكمة توزيع الغنائم على قوم دون آخرين.
٥) موقف الأنصار من توزيع الغنائم وخطبة الرسول ﷺ فيهم.
الفصل الرابع: في بيان ما آل إليه أمر هوازن وثقيف بعد المعركة – وفيه مبحثان:
١) في قدوم وفد هوازن إلى الجعرانة مسلمين.
٢) في إيفاد ثقيف جماعة منهم إلى المدينة للتفاوض مع رسول الله ﷺ.
الباب الثالث: في بيان أبرز الأحكام المستنبطة من غزوة حنين – وفيه سبعة عشر حكما، وقد سردتها حكما بدون فصول ولا مباحث لعدم الحاجة الداعية لذلك:
١) جواز وطء المسبية بعد الاستبراء.
٢) وقوع العزل في سرية أوطاس.
1 / 17
١) في بيان مسألة المتعة.
٢) منع المخنثين من الدخول على النساء الأجنبية.
٣) في النهي عن قتل النساء والضعفاء ومن في حكمهم.
٤) العذر الذي يبيح ترك حضور صلاة الجماعة.
٥) تعليم أبي محذورة الأذان.
٦) إقامة الحد في دار الحرب.
٧) الاستعانة بالمشركين.
٨) العارية من حيث الضمان وعدمه.
٩) قضاء الرسول ﷺ.
١٠) في بيان نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم.
١١) استحقاق القاتل سلب القتيل.
١٢) في بيان تحريم الفلول في الغنيمة.
١٣) المؤلفة قلوبهم.
١٤) بعض ما يجتنبه المحرم.
١٥) عمرة الرسول ﷺ من الجعرانة.
أما الخاتمة فقد ضمنتها أبرز النتائج العلمية التي توصلت إليها من خلال دراستي لهذه الغزوة.
منهجي في البحث:
أريد أن أوضح طريقة عملي في دراسة هذه الغزوة والمنهج الذي سرت عليه في تناول مروياتها جمعا وتحقيقا ودراسة، مجملا ذلك في النقاط الآتية:
١- أول ما قمت به جمع المادة العلمية المتصلة بهذه الغزوة من مظانها في كتب التراث الواسعة ما بين مخطوط ومطبوع مع الإفادة في ذلك من الدراسات المعنية بسيرة الرسول ﷺ قديمًا وحديثا.
1 / 18
٢- أتبعت ذلك بدراسة مرويات غزوة حنين معتمدا في ذلك على أسلوب المحدثين في نقدهم للروايات وفق قواعد الجرح والتعديل المقررة في مصطلح الحديث، وقد سلكت في ذلك الطريقة الآتية:
أ- إذا كان الحديث في الأصول الستة أو أحدها١، فإني أصدر به الباب أو الفصل أو المبحث في الأغلب الأعم، ثم أراعي بعد ذلك الترتيب في إيراد الحديث أو الأثر بحسب الوفيات في الغالب أيضا.
ب- لا أترجم لرواة الحديث الذي أخرجه الشيخان أو أحدهما؛ لأن رجالهما قد جاوزوا القنطرة، وأجمع العلماء بعدهما على توثيق رجالهما، وربما ذكرت الحديث أو جزءا منه مجردا عن الإسناد ما دام مخرجا في الصحيحين أو أحدهما.
؟- ما كان من الأحاديث في غير الصحيحين أو أحدهما أقوم بدراسة إسناده وترجمة رواته والحكم عليه بما يستحقه صحة أو حسنا أو ضعفا.
د - كان اعتمادي في التراجم ودراسة السند على تقريب التهذيب وتهذيب التهذيب لابن حجر، وإذا كان الرجل من غير رجال التقريب أو متكلما فيه ولو كان من رجاله، فإني أرجع إلى بقية كتب الجرح والتعديل غالبا لاستظهار ما يتصل بحقيقة الحال في أمره بحسب الإمكان.
٣- بعد تلك الدراسة النقدية الحديثية قمت بما يلي:
أ- ترقيم جميع الأحاديث الواردة في هذه الرسالة بأرقام متسلسلة.
ب- تخريج الحديث عند أول إيراده في البحث ثم الإحالة إلى رقمه بعد ذلك إذا دعت الحاجة إلى إيراده مرة أخرى. وقد أذكر تخريجه عند أول وروده مقتصرا على بعض ممّن أخرجه، ثم أستوفي تخريجه في مكان لاحق لأنه ألصق بالموضع الذي ورد فيه متأخرًا.
؟- تقطيع المتن في أماكن مفرقة بحسب المناسبات المختلقة التي تدعو إلى ذلك.
_________
١ الأصول الستة هي: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، وسنن الترمذي، وسنن النسائي، وسنن ابن ماجة.
1 / 19
رموز رجال الإسناد:
سلكت في اختيار رموز رجال الإسناد مسلك الحافظ ابن حجر في كتابه "تقريب التهذيب"، وإليك بيانها:
(خ) البخاري في صحيحه.
(خت) البخاري في صحيحه معلقا.
(بخ) البخاري في الأدب المفرد.
(عخ) البخاري في خلق أفعال العباد.
(ز) البخاري في جزء القراءة خلف الإمام.
(ي) البخاري في رفع اليدين.
(م) مسلم في صحيحه.
(د) أبو داود في سننه.
(مد) أبو داود في كتابه المراسيل.
(صد) أبو داود في كتابه فضائل الأنصار.
(خد) أبو داود في كتابه الناسخ والمنسوخ.
(قد) أبو داود في كتابه القدر.
(ف) أبو داود في كتابه التفرد.
(ل) أبو داود في كتابه المسائل.
(كد) أبو داود في كتابه مسند مالك.
(ت) الترمذي في سننه.
(تم) الترمذي في الشمائل.
(س) النسائي في سننه.
(عس) النسائي في مسند علي.
(كن) النسائي في مسند مالك.
1 / 20
(ق) ابن ماجة في سننه.
(فق) ابن ماجة في التفسير.
(ع) للراوي الذي أخرج له أهل١ الكتب الستة.
(عم) للراوي الذي أخرج له أهل٢ السنن الأربعة٣.
_________
١ هم: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة.
٢ هم: من عدا البخاري ومسلما.
٣ أنظر: (تقريب التهذيب ١/٧) .
1 / 21
تمهيد
تمهيد بين يدي غزوة حنين
وفي هذا التمهيد قضيتان:
الأولى: التعريف بهوازن وثقيف، وفيه:
١) نسب هوازن وثقيف.
٢) تحديد موقعهم وديارهم من الناحية الجغرافية.
٣) صلتهم بقريش.
الصلة النسبية، المصاهرة، المصالح المشتركة.
٤) موقفهم من ظهور الإسلام ودعوته.
٥) موقفهم من الصراع بين المسلمين وقريش.
الثانية: تحركات المسلمين العسكرية قبل غزوة حنين، وفي هذه القضية:
١) هدم العزى.
٢) هدم مناة.
٣) سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة.
1 / 22
أوّلًا: التعريف بهوازن وثقيف
١ - نسب هوازن وثقيف:
قبل الدخول في تفاصيل غزوة حنين وأحداثها، يحسن بنا إعطاء لمحة موجزة عن التعريف بهوازن وديارها التي كانت تقطنها فيها عند بزوغ فجر الإسلام، ومدى الصلة بينهم وبين قريش، وموقفهم من الدعوة الإسلامية قبل غزوة حنين، لنتبين مكانة هذه القبيلة وما كانت تتمتع به من قوة ومنعة.
وإذا أفردنا الحديث عن هوازن فتدخل فيها ثقيف؛ لأنها فرع منها. وهوازن قبيلة من أعظم القبائل العربية وأكثرها خطرا، وهي من حيث القوة والعدد تضاهي قبائل غطفان النجدية الشهيرة.
وهي قبيلة مضرية عدنانية يعود نسبها إلى قيس عيلان، وهي من أهمّ بطون قيس عيلان.
وهوازن جد بطون متفرقة، وهو: هوازن بن منصور بن عكرمة ابن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان١.
قال القلقشندي: "المشهور من قبائل العرب المستعربة الموجودين الآن خمس قبائل:
الأولى٢: نزار٣، وهم بنو نزار بن معد بن عدنان.
_________
١ ابن حزم: (جمهرة أنساب العرب ص ٢٦٤، ٢٦٦، ٢٦٩) . وابن خلدون: (تاريخ ابن خلدون ٢/٣٠٧) . وباشميل: (غزوة حنين ص ٢٠٠) .
٢ والقبيلة الثانية: ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان.
والثالثة: خندف - بمعجمة ودال مهملة مكسورتين بينهما نون ساكنة -: وهم بنو إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، عرفوا بالنسبة إلى أمهم خندف امرأة إلياس.
والرابعة: كنانة، وهم: بنو كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
والخامسة: قريش، وهم، بنو فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
٣ نزار - بكسر نون وبزاي وراء -. (القلقشندي: قلائد الجمان ص ١١٠، ١٢٩، ١٣٢، ١٣٤، ١٣٦)
1 / 23
والمشهور من الموجودين من عقب نزار بطنان:
البطن الأول١: مضر٢، وهم بنو مضر بن نزار، ومنه تفرعت أكثر قبائل العدنانية.
والمشهور من الموجودين من عقب مضر بن نزار فخذان:
الفخذ الأول٣: قيس بن عيلان٤، وهو قيس بن عيلان بن مضر ابن نزار بن معد بن عدنان.
والمشهور من الموجودين من الآن من فصائل قيس عيلان هوازن، وهي محل بحثنا.
وهناك فصائل أخرى٥.
وقد بين ابن خلدون بتفصيل - بطون – هوازن فقال:
_________
١ والبطن الثاني: هو ربيعة بن نزار، فقد ذكر بن قتيبة أن مضر وربيعة إليهما ينسب ولد نزار وهم الصريح من ولد إسماعيل ﵇. (المعارف ص٢٩) .
٢ مضر - بمضمومة وفتح ضاد معجمة - (ابن طاهر الهندي: المغني ص٧٢)
٣ والفخذ الثاني: هو إلياس بن مضر؛ لأن ولد مضر هما عيلان وإلياس. (ابن كثير: البداية والنهاية ٢/١٩٩) .
٤ قيس عيلان: بإضافة قيس إلى عيلان، وقيس - بفتح قاف ومثناة تحتية ثم سين مهملة -، وعيلان - بفتح مهملة وسكون تحتية ولام ثم نون - وليس في العرب (عيلان) بعين مهملة غيره. واسمه الناس - بالنون -. (القلقشندي: قلائد الجمان ص١١٠) . و(نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب ص٤٠٤) . وقال ابن حزم: وقال قوم: قيس بن عيلان، والصحيح: قيس عيلان (جمهرة أنساب العرب ص١٠) .
٥ من هذه الفصائل: بنو غطفان بن معد بن قيس عيلان. وبنو سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان. وبنو عدوان بن عمرو بن قيس عيلان. (القلقشندي: قلائد الجمان ص١١٠، ١١٢، ١١٥، ١٢٣، ١٢٨) . وانظر: ابن قتيبة: (المعارف ص٣٦، ٤١) . وخليفة بن خياط: (كتاب الطبقات ص٤، ٥٣، ٥٥، ١٣٠) . وابن هشام: (السيرة النبوية ١/١٤) . وابن حزم: (جمهرة أنساب العرب ص٢٧١، ٢٧٢، ٢٧٣) . وابن الأثير: (اللباب ٢/٣٢٨، ٣/١٢٣) . وابن كثير: (البداية والنهاية ٢/٢٢٠) . وابن خلدون: (تاريخ ابن خلدون ٢/٣٣٤) . وكحالة: (معجم قبائل العرب ٣/١٢٣١) . وباشميل: (غزوة حنين ص٤١) .
1 / 24