Du Transfert à la Création
من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (١)
Genres
105
ويتعامل ابن سينا مع مذاهب عامة وكأنها بنيات عقلية وليست تيارات تاريخية. ويشير إليها بأصحاب الحقيقة، المذهب، المذهب الحق، الفرقة، القدماء، الفيلسوف المتقدم، الفلاسفة أو مجرد قوم دون تحقيق المناط لمعرفة من هم هؤلاء الأقوام والفرق وأصحاب المذاهب والقدماء والفلاسفة على وجه التحديد، فأصحاب الحقيقة لا يشتغلون بأمثال هذه الأشياء أي الإلهيات البرهانية. ربما هم الصوفية الذين يدركونها عن طريق الذوق. أما مذهب الجزء الذي لا يتجزأ فهو مذهب المتكلمين. أما القوم والقوم الآخرون، الفرقة الأولى والفرقة الثانية فيمثلون آراء واتجاهات في المعرفة. فالإضافة عند قوم تحدث في النفس إذا عقلت الأشياء. وعند قوم آخرين تحدث الإضافة في الأعيان. ولكل فريق حجج وحجج مضادة ضد الفريق الآخر. أما الفلاسفة فقد يعني بهم مجموع الحكماء دون أحدهم على التفصيل كنوع أدبي أو تيار فلسفي، والمذهب الحق هو مذهب ابن سينا الذي يرث الوافد كله والموروث أيضا، والذي على أساسه يثبت الدائرة، ويستعمل ابن سينا أيضا ألفاظ الحكماء الأقدمين، القدماء، عامة القدماء، الفيلسوف المتقدم. يظهر تعبير «الحكماء الأقدمين» مرة واحدة في عنوان المقالة السابقة من الفصل الثاني، وتعبير القدماء مرة واحدة أيضا. ويعرفهم ابن سينا بأفكارهم، التقابل بين العدم والملكة، وهو التضاد الأول، ووضع الصورة تحت الملكة. أما عامة القدماء فهم جمهور القدماء الذين يقولون بتقدم القوة على الفعل لا في الزمان وحده. البعض جعل وجود الهيولي قبل الصورة ثم ألبسها الفاعل الصورة بعد ذلك إما ابتداء من نفسه أو لداع ظنه بعض الشارحين وهو لا يعنيه ولا يقوى على الخوض فيه. ويتحدث ابن سينا عن «الشارعون». هل هم المتكلمون أصحاب الشريعة والفقهاء وباعثهم الديني الذي يخرج عن إطار الإلهيات العقلية أم هم المشرعون اليونان؟ أما الفيلسوف المتقدم فيبدو أنه رياضي يجعل السنة مكونة من ثلاثة وثلاثة أو ستة مرة واحدة.
106 (5) الموروث (أ) التمايز بين الأنا والآخر
ويظهر الموروث في الموسوعات الثلاث بداية بالتمايز بين الأنا والآخر وهو أساسا تمايز في الزمان والعصر كما أنه تمايز في الحضارة والثقافة. هذا الإحساس بالتمايز بين الأنا والآخر هو نفسه إحساس بالتحول من النقل إلى الإبداع سواء اتفق ابن سينا مع المعلم الأول أو اختلف معه أو حاذاه. فليست المطابقة هي القضية. القضية هي إعادة التفكير في مسار فكري مستقل. ولا يحدد ابن سينا أحيانا من هو الآخر على وجه العموم أم على وجه الخصوص. يكتفي بالإشارة إلى ظن بعضهم أو قوم أو بعض المموهين ويعلن خلافه معهم. ولا يتحدث ابن سينا عن أرسطو أو حتى عن المعلم الأول بل عن التعليم الأول انتقالا ثانيا من اللقب إلى الموضوع بعد أن تم الانتقال سلفا من الشخص إلى اللقب.
107
البداية بذكر التعليم الأول تجميعا دون تعقب الترتيب، والجمع أي النسق عمل إبداعي دون تكلف ترتيب جديد؛ فالانشغال بالمضمون أهم من الصورة، ويعتبر ابن سينا نفسه أقرب إلى التعليم الأول من غيره وأقرب إلى غرضه في فهم المطلق. ويحذر من سوء الفهم، ومن ثم يكون اتهام ابن رشد لابن سينا بسوء تأويله لأرسطو هو نفسه اتهام ابن سينا لغيره من الشراح. وأحيانا يذكر قول المعلم الأول بدل التعليم الأول. وغالبا ما يدرس ابن سينا بنفسه الموضوع فيأتي متفقا مع التعليم الأول. ويولد القول أمثلة في ذهن ابن سينا متفقة معه. ولا بأس في ترتيب إبداعي جديد في بعض الموضوعات التي يبدو ترتيبها غريبا إن لم يكن كلها.
108
ولكن الفطن تغنيه جودة الفهم عن الترتيب. والبليد لا ينقصه الترتيب الحسن الجديد.
109
ويتضح ذلك خاصة في «الجدل» وفي «الشعر» وفي «منطق المشرقيين». ففي «الجدل» يشعر ابن سينا بالزمان والعصر واختلاف الأواخر عن الأوائل، والخلف عن السلف مع نقد الخلف المتجادلين والمشاغبين من أهل الزمان وكل زمان بصرف النظر عن المناط، هل هم المتقدمون وهم اليونان الذين كانوا أحرص على الحق منهم على المراءاة، وكانوا أمهر في فن الصناعة أم هم المتأخرون المجادلون من أهل هذا الزمان، زمان ابن سينا، المتكلمون الذين لا يهمهم إلا الغلبة؟ التعيين والتخصيص يجعل القانون خاصا، في حين أن التعميم والشمول يجعله قانونا للبشر جميعا. يرتبط الأوائل بالحق كما يرتبط الأواخر بالسلطان. يقبل الأوائل المقدمات والنتائج في حين يقبل الأواخر المقدمات دون النتائج؛ ومن ثم فهم لا يعرفون أصول القياس. ولفظ «الأوائل» له معنيان، أوائل العقل وأوائل التاريخ، وكلاهما أوائل. قد يقترب ذلك من تصور المتكلمين لانهيار للتاريخ وتناقص الفضل، جيلا وراء جيل، وأن السلف خير من الخلف
Page inconnue