وإن كان ما نسقه الجاحظ وعدده من معرفة السحر والنجوم، والفصل بينهما وبين النبوة، ومعرفة ما يجوز في الحكمة مما لا يجوز وما لا يحدثه إلا الخالق، والفرق بينه وبين ما يقدر عليه القادرون بالقدرة، ومعرفة التمويه والخديعة والتلبيس والمماكرة، شرطا في صحة الاسلام لما صح إسلام أبى بكر ولا عمر ولا غيرهما من العرب، وإنما التكليف لهؤلاء بالجمل (1) ومبادئ المعارف، لا بدقائقها والغامض منها. وليس يفتقر الاسلام إلى أن يكون المسلم قد فاتح الرجال وجرب الأمور ونازع الخصوم ، وإنما يفتقر إلى صحة الغريزة وكمال العقل وسلامة الفطرة. ألا ترى أن طفلا لو نشأ في دار لم يعاشر الناس بها ولا فاتح الرجال ولا نازع الخصوم ثم كمل عقله وحصلت العلوم البديهية عنده لكان مكلفا بالعقليات.
فأما توهمه أن عليا عليه السلام أسلم عن تربية الحاضن وتلقين القيم ورياضة السائس، فلعمري إن محمدا صلى الله عليه وآله كان حاضنه وقيمه وسائسه، ولكن لم يكن منقطعا عن أبيه أبى طالب، ولا عن إخوته طالب وعقيل وجعفر، ولا عن عمومته وأهل بيته، وما زال مخالطا لهم ممتزجا بهم، مع خدمته لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، فما باله لم يمل إلى الشرك وعبادة الأصنام لمخالطته إخوته وأباه وعمومته وأهله، وهم كثير ومحمد صلى الله عليه وآله واحد، وأنت تعلم أن الصبى إذا كان له أهل ذوو كثرة وفيهم واحد يذهب إلى رأى مفرد لا يوافقه عليه غيره منهم فإنه إلى ذوي الكثرة أميل، وعن ذي الرأي الشاذ المنفرد أبعد.
Page 299