هوامش
الفصل الخامس
في القاهرة
لم يذكر لنا الجبرتي بالضبط متى وصل إلى القاهرة، خبر دخول البوارج الفرنساوية في مياه الإسكندرية، وكل ما قاله بعد كلمات قلائل عن احتلال الإسكندرية العبارة الآتية:
ولما وردت هذه الأخبار إلى مصر، حصل للناس انزعاج، وعول أكثرهم على الفرار والهياج ...
وكذلك لم يعتن المؤرخون الحديثون بضبط اليوم الذي وصلت فيه الأنباء إلى القاهرة؛ لأننا نعرف أن السيد محمد كريم بعث لمراد بيك بنبأ ظهور العمارة الفرنسية بمجرد ظهورها، أو بعد رسو القارب، الذي يقل القنصل الفرنسي للبارجة «أورويان»، ويقع ذلك في يوم الأحد 17 محرم سنة 1213، وأول يوليو سنة 1798، فكم كان يلزم من الأيام لوصول الأخبار إلى القاهرة بأسرع ما يمكن؟ كان لا بد من أربعة أيام على الأقل للفارس المجد، فتكون الأخبار قد وصلت إلى القاهرة ظهر يوم الخميس 5 يوليو، والظاهر أن هذا هو الصواب؛ لأن الجبرتي يقول: «وأخذوا في الاستعداد وقضاء اللوازم والمهمات، وارتحل مراد بك بعد صلاة الجمعة.» وهو اليوم التالي لعقد المجلس وقرار ما اتفق عليه.
وكان السيد محمد كريم حين أبصر تلك العمارة الفرنسية، وهاله أمرها، كتب إلى مراد بك يقول: إن العمارة التي حضرت إلى ميناء الإسكندرية تتألف من سفن كثيرة لا أول لها يعرف، ولا آخر لها يوصف، فبالله ورسوله أدركونا بالرجال، وتوالت رسائله بالأخبار المنقطعة، حتى قيل - كما روى أحد المؤرخين - إنه بلغ عدد الرسل الذين بعث بها السيد محمد كريم، ثلاثة عشر رسولا في يوم واحد، وهو يوم الأحد أول يوليو.
جاء في كتاب تاريخ فرنسا الحديث، الذي سبقت لنا الإشارة إليه، البيان الآتي:
ولما قرأ مراد بك التحرير الذي بعث به السيد محمد كريم غضب غضبا شديدا ورمى به إلى الأرض، وهاج وماج، وسار إلى منزل إبراهيم بك (كان مراد بك بقصره في الجيزة، وإبراهيم بك في سراية بقصر العيني) واجتمع به مدة وشاع الخبر في كل القاهرة فهاج الأهلون وخافوا، واجتمع الأمراء والأعيان في قصر إبراهيم بك، وحضر أبو بكر باشا والي الدولة العليا من القلعة السلطانية، واجتمع كل قواد المماليك والأعيان، وهم إبراهيم بك الكبير، ومصطفى بك الكبير، وأيوب بك الكبير، وإبراهيم بك الصغير، ومراد بك الصغير، وسليمان بك أبو دياب وعثمان بك الشرقاوي، ومحمد بك الألفي، ومحمد بك المنوفي، وعثمان بك البرديسي، وعثمان بك الطوبجي، وقاسم بك أبو شنب، وقاسم بك أبو البحر، والأمير مرزوق بن إبراهيم بك الكبير، وعثمان بك الطويل، ومن العلماء الشيخ السادات، والشيخ عبد الله الشرقاوي، والشيخ سليمان الفيومي، والشيخ مصطفى الصاوي، والشيخ محمد المهدي، والشيخ خليل البكري، والسيد عمر مكرم نقيب الأشراف، والشيخ العربي، والشيخ محمد الجوهري، وكثيرون غيرهم وأخذوا يبحثون في مجيء الفرنساويين وفتحهم الإسكندرية ويستغربون ذلك الأمر جدا، أما مراد بك فكان يعلم أن الدولة العلية مغتاظة منه؛ ولذلك قال لوزيرها «أي: للوالي»: «إن الفرنساويين لم يدخلوا هذه الديار إلا بإذنها.»
اعتمد مراد بك في قوله هذا، على العبارة الواردة في منشور نابوليون بأنه قادم للقضاء على المماليك، وأنه صديق الدولة والسلطان ... إلخ، ثم قال أيضا: «ولا ريب أن حضرة الوزير يقدر أن يخبرنا بشيء عن ذلك غير أنه لا بد أن تسعفنا العناية على الاثنين.» «يعني الفرنسيس والترك» فأجابه الوزير قائلا: أيها الأمير، أنه لا يليق بك أن تتكلم بمثل هذا الكلام؛ لأنه لا يمكن أن تسلم الدولة العثمانية لدولة نصرانية أن تستولي على بلاد إسلامية، فدعوا عنكم هذا المقال، وانهضوا جميعا كالأبطال، وصادموا الذين أتوا ليفتحوا بلادكم، وبعد ذلك أجمعوا رأيهم على أن يسجنوا قنصل فرنسا وجميع التجار الفرنساويين المقيمين بالقاهرة، خوفا من الخيانة فسجنوهم في قلعة الجبل.
Page inconnue