وزير الخارجية في 13 سبتمبر سنة 1797 نقتطف منها العبارة الآتية: «إذا قضى علينا الصلح مع إنجلترا بالتنازل عن رأس الرجاء الصالح فلا بد لنا من أن نعتاض عنها بالديار المصرية، التي لم تقع أبدا في حيازة دولة أوروبية، نعم كان للفينسين «البندقيين» فيها نفوذ منذ بضع قرون، ولكنه كان نفوذا مزعزعا، وفي استطاعتنا بإرسال خمس وعشرين ألف جندي للاستيلاء على تلك الديار، وعندي أن مصر ليست تابعة الآن للدولة العثمانية، وأرجو من مواطني الوزير
10
عمل التحريات اللازمة للوقوف على ما يحدثه احتلالنا لمصر من الأثر على حكومة جلالة سلطان تركيا، وأن جيشا كجيشنا الذي يستوي عنده جميع الأديان، يتساوي لديه المسلمون والأقباط والأعراب والوثنيون على السواء ... إلخ.»
فأجابه «تاليران» بخطاب مؤرخ 23 سبتمبر قال فيه: إنه موافق على فكرة الحملة على مصر التي يعوض احتلالها على فرنسا، خسارتها في جزائر الأنتيل
11
وتفتح لنا طريق التجارة للهند ... إلخ.
ويظهر أن عقارب الحسد لنابوليون دبت في نفوس أعضاء الحكومة الجمهورية في ذلك الوقت، فخافوا من اتساع شهرته، ومن مكانته في قلب الجيش الذي يقوده، ولا يبعد أنه يكون قد خيل لهم في ذلك الوقت أن نابوليون، بما أصبح له من المحبة لدى الشعب الفرنسي، وما يلتف به من الجنود والقواد، قادر على أن يضع يده على السلطنة في باريس ويستبد بالملك «كما فعل فعلا» ولا يبعد أن تكون هذه الأفكار قد مرت بمخيلة نابوليون، لما رأى من القابضين على زمام الحكومة الرغبة في فصله عن جيشه، الذي أحبه وحارب تحت قيادته، ولكنه كان حكيما فنظر إلى فرنسا وقال - كما روى يوريين في مذكراته - «إن الثمرة لم تنضج بعد.»
رأت الحكومة في باريز فصله من جيش إيطاليا، وأصدرت أمرا بتعيينه قائدا عاما لجيش إنكلترا «أي: الجيش الموجه لمحاربة إنجلترا» وبعد يومين من صدور هذا الأمر، أصدرت الحكومة المركزية في باريس أمرا آخرا بانتدابه سفيرا مفوضا من قبل الجمهورية الفرنسية لمؤتمر راستاد
Rastadt
مع مندوبين آخرين قال أحد المؤرخين: ولم يكن يخفى على ذكاء نابوليون أن هذا الانتداب إنما يراد به إبعاده عن جيشه ، وأن حسد رجال الحكومة لشهرته هو الذي حملهم على إرساله في مهمة وهمية، ولكن نابوليون مع هذا كان أحكم من أن يظهر لهم تذمره من هذا النفي السياسي، وهو في الوقت بعينه كان يفكر في الجهة التي ينوي أن يسير إليها بالجيش الظاهر الذي حارب تحت زعامته،
Page inconnue