اشترى محمد بك مراد بك في سنة 1182ه، ثم أعتقه وأمره، وأنعم عليه بالإقطاعات الجميلة وقدمه على أقرانه، وتزوج بامرأة الأمير صالح بك، وسكن داره العظيمة بخط الكبش، ولما مات علي بك تزوج بسريته أيضا، وهي الست نفيسة المرادية الشهيرة الذكر بالخير، ولما انفرد محمد بك بإمارة مصر، كان هو وإبراهيم بك أكبر أمرائه، فلما سافر محمد بك أبو الذهب إلى سوريا محاربا للظاهر عمر، أقام مقامه في الحكم إبراهيم بك، وسافر مراد بك بصحبته، فلما مات محمد بك أبو الذهب بعكا، اجتمع أمراؤه على رأس مماليكه في رياسة مراد بك، فلما حضروا إلى مصر بجثة محمد بك، اتفق رأي الجميع على إمارة من استخلفه سيدهم، وهو إبراهيم بك ورضي جميعهم برياسته «لوقور عقله وسكون جأشه» «كذا عن الجبرتي» ...
وعكف مراد بك على لذاته وشهواته في دوره وقصوره، كل ذلك «كما يقول الجبرتي» على مشاركته لإبراهيم بك في الأحكام، والنقض والإبرام، والإيراد والإصدار، ومقاسمة الأموال والدواوين، وتقليد مماليكه وأتباعه، الولايات والمناصب، وأخذ في بذل الأموال وإنفاقها على أمرائه وأتباعه فانضم إليه بعض أمراء علي بك وغيرهم ممن مات أسيادهم، فأكرمهم وواساهم، ورخص لمماليكه في هفواتهم، وسامحهم في زلاتهم، فانقلبت أوضاعهم، وتبدلت طباعهم، وشرهت نفوسهم وعلت رءوسهم.
ولما قدم حسن قبودان باشا إلى مصر، كما ذكرنا في غير هذا المكان، هرب مراد بك وأتباعه، وكذلك فعل إبراهيم بك ففر إلى الصعيد، فلما انقضت غزوة حسن قبودان باشا، واضمحل شأن إسماعيل بك الذي أمره حسن باشا على مصر، عاد مراد وإبراهيم إلى سابق عهدهما، ومن ذلك الوقت داخل الغرور مراد بك، وظن في نفسه أنه هو الذي استرد مركزه ومركز زميله إبراهيم بك في مصر.
وصف الجبرتي مراد بك فقال:
وكانت صفته أنه أشقر اللون، مربوع القامة ، كث اللحية، وغليظ الجسم والصوت، بوجهه أثر ضربة سيف، ظالما غشوما متهورا، مختالا، معجبا متكبرا، إلا أنه كان يحب العلماء ويتأدب معهم، وينصت لكلامهم، ويقبل شفاعتهم.
ووصف مارسيل
12
وهو من العلماء الذين رافقوا نابوليون في حملته على مصر، وكان مديرا للمطبعة الفرنسية بالقاهرة، وعضوا بالمجمع العلمي، وسمع من المماليك وأهل القاهرة عن إبراهيم بك ومراد بك، فقال عنهما في كتابه «مصر منذ فتح العرب إلى الاحتلال الفرنساوي»
13
ما تعريبه: «كان إبراهيم بك ومراد بك ينافس أحدهما الآخر، ويغار منه ومع ذلك اتحدا ليظل الحكم في أيديهما، على الرغم من اختلاف طباعهما، وكان أولهما أكبر سنا، وقد زادته السنون الطوال خبرة ومعرفة بفنون السياسة، وقدرة على كبح جماح عواطفه، وإخفاء ما في نفسه، فكان دائما على حذر من زميله الذي كان يعرف فيه الكبر والعجرفة، ولكنه كان يشعر أيضا من نفسه، بأنه أقل منه شجاعة، وقوة وكفاءة في الشئون العسكرية، فاجتنب إبراهيم بك سلوك أي سبيل يصطدم فيه مع مراد بك، أو يضطره للحرب والقتال معه.
Page inconnue