Napoléon en Égypte

Ahmad Hafiz Cawad d. 1369 AH
147

Napoléon en Égypte

نابوليون بونابارت في مصر

Genres

فكونوا يا عباد الله على حذر منهم ولا تقعوا في أشراكهم وحبائلهم، ولا ترهبنكم كثرتهم ولا تدهشنكم هيئتهم، فالأسد لا يرهب الثعالب مهما كثر عددها، والنسر لا يخاف البغات مهما استنسر، وستصلكم الجيوش الجرارة على الصافنات من الجياد لتقضي على عدو الله وعدوكم، وتقذف به إلى النار وبئس القرار، فلا تيأسوا من روح الله فإنه تعالى حارسكم ومؤيدكم وناصركم، فبعونه تعالى وحول رسوله الكريم ستمحق جيوشنا أولئك الكفرة الضالين، والساعة آتية لا ريب فيها، نصر الله جيوش الموحدين وأعز سلطان المسلمين ا.ه.

ليس في المصادر الفرنسية إشارة إلى التاريخ الذي وصل فيه هذا المنشور إلى القاهرة، ولكن ورد في الجبرتي، كما سبقت لنا الإشارة، أنه في ليلة السبت 24 جمادى الأولى حضر هجان من ناحية الشام وعلى يده مكاتبات، وهي صورة فرمان وعليه طرة ومكتوب من أحمد باشا الجزار وآخر من بكر باشا إلى كتخدائية مصطفى بك، ومكتوب من إبراهيم بك خطابا للمشايخ، أما خطاب بكر باشا وإبراهيم بك فلا نظن أنهما نشرا أبدا، وأما فرمان أحمد باشا الجزار فهو لا شك هذا المنشور، وفيه بلا مرية روح السرسدني سميث في طعنه على مبادئ الثورة الفرنسية؛ إذ هي نفس المطاعن التي يوجهها الإنكليز للفرنساويين في ذلك الزمن، مثل كارليل الكاتب المشهور والمستر برايتون الخطيب البرلمان الكبير، وكان السرسدني سميث في ذلك الوقت كثير التردد على عكا، وله من هذا النوع منشور بعث به في حرب الشام لنصارى سوريا ويحذرهم، كما في هذا المنشور، من أن الفرنساويين مسيحيون، بل هم كما وصفهم في هذا المنشور قوم لا دين لهم ولا عقيدة، وأنهم هدموا أركان الدين المسيحي.

ومن التاريخ المذكور لوصول هذاالمنشور يتضح جليا أن لا صحة لدعوى المعلم نقولا الترك، ومن نقل عنه من أمثال الشيخ الدحداح، إن العلماء وزعوا ذلك المنشور على أهالي القاهرة ليحضوهم على الثورة السالفة الذكر، ونقول: إن عبارة هذا المنشور، من حيث معتقدات الفرنساويين، تطابق ما وصفهم به الشيخ عبد الله الشرقاوي في رسالته الذي وضعها للصدر الأعظم يوسف باشا بعد الاتفاق على خروج الفرنساويين من مصر وسماها «تحفة الناظرين فيمن ولي مصر من الولاة والسلاطين» إذ قال فيها: «وحقيقة رجال الفرنساوية أنهم فرقة من الفلاسفة إباحية طبائعية يقال لهم: نصارى قاتوليقية، يتبعون عيسى عليه السلام ظاهرا وينكرون البعث والدار الآخرة، وبعثة الأنبياء والمرسلين، ويقولون إن الله واحد، ولكن بطريق التعليل ويحكمون العقل ويجعلون منهم مديرون يدبرون الأحكام يضعونها بعقولهم ويسمونها شرائع، ويزعمون أن الرسل محمدا وعيسى وموسى كانوا جماعة عقلاء، وأن الشرائع المنسوبة إليهم كناية عن قوانين وضعوها بعقولهم تناسب أهل زمانهم.»

ولنعد إلى منشور الجزار فنقول إن من السهل كثيرا تصنيف مثل هاتيك المنشورات، والدعوة إلى الجهاد ضد الكفار مألوفة، وطريقة من الطرق التي يلجأ إليها، ولكن ما فائدتها في ذلك الزمن، وفي أي زمن سواه، هل يمكن أنها حركت أمة أو حررت شعبا أو أدت إلى نتيجة مرضية حيث يكون القابض على نواصي الأمة قويا قادرا على قمع أية ثورة في إبانها، وإخماد أي فتنة في مكانها؟ اللهم لا فائدة لهذه الأعمال إلا إيقاع النفرة وغرس بذور الأحقاد، وتحريك الضغائن والأضرار بالذين يراد الخير لهم، والأولى بالذين يريدون امتلاك البلاد أو نصرة أهلها - إن كان هذا صحيحا - أن يستعيضوا عن الأقوال بالأفعال، ورحم الله من قال: «السيف أصدق أنباء من الكتب»!

ولا شك في أن هذا المنشور قد أزعج نابوليون ورجاله؛ لأنه دب على المواضع الحساسة في نفوسهم ووجه إليهم من المطاعن ما هو مؤلم، ولأنه نقض أساس دعواه للمصريين بأنهم مسلمون، أو أنهم يحترمون الدين الإسلامي، أو أنهم أصدقاء أمير المؤمنين وخليفة المسلمين.

قال الجبرتي: «إنه لما وصلت هذه الأوراق - يعني فرمان الجزار هذا - وكتب بكر باشا وإبراهيم بك أخذها مصطفى بك وكيل بكر باشا وذهب بها إلى صاري عسكر «بونابرت» فلما اطلع عليها قال: هذا تزوير من إبراهيم بك ليوقع بيننا وبينكم العداوة والمشاحنة، وأما أحمد باشا الجزار فهو رجل فضولي وسيأتي بعد أيام وال من الدولة يقيم معنا ونقيم معه كما كان الحال مع المماليك» ... وإن صحت هذه الرواية ، فيكون ما قاله نابوليون إنما هو جواب على خلاصة ترجمها له المترجمون من تلك الكتب الكثيرة، فلما اطلع على ترجمتها بالنص رأى من مقتضى السياسة أن يحمل علماء الأزهر على كتابة منشور ضد منشور الجزار، فكتب له بعضهم ما أراد وطبعوا من صورة ما كتب عدة نسخ وزعوها في البلاد، والصقوا منها كثيرا بالأسواق والحارات ... وهذا نصها عن الجبرتي:

نصيحة من علماء الإسلام بمصر المحروسة

نخبركم يا أهل المدائن والأمصار من المؤمنين، ويا سكان الأرياف من العربان والفلاحين، أن إبراهيم بك ومراد بك وبقية دولة المماليك أرسلوا عدة مكاتبات ومخاطبات إلى سائر الأقاليم المصرية لأجل تحريك الفتنة بين المخلوقات، وادعوا أنهم من حضرة مولانا السلطان، ومن بعض وزرائه بالكذب والبهتان، وبسبب ذلك حصل لهم شدة الغم والكرب الزائد واغتاظوا غيظا شديدا من علماء مصر ورعاياها حيث لم يوافقوهم على الخروج معهم ويتركوا عيالهم وأوطانهم، فأرادوا أن يوقعوا الفتنة والشر بين الرعية والعسكر الفرنساوية لأجل خراب البلاد وهلاك كامل الرعية، وذلك لشدة ما حصل لهم من الكرب الزائد بذهاب دولتهم وحرمانهم من مملكة مصر المحمية، ولو كانوا في هذه الأوراق صادقين، بأنها من حضرة سلطان السلاطين، لأرسلوها جهارا مع أغوات معينين، ونخبركم أن الطائفة الفرنساوية بالخصوص عن بقية الطوائف الإفرنجية دائما يحبون المسلمين وملتهم، ويبغضون المشركين وطبيعتهم، أحباب لمولانا السلطان وقائمون بنصرته، وأصدقاء له ملازمون لمودته وعشرته ومعونته، يحبون من والاه، ويبغضون من عاداه، ولذلك بين الفرنساوية والموسكوف غاية العداوة الشديدة، من أجل عداوة المسكوف القبيحة الرديئة، والطائفة الفرنساوية، يعاونون حضرة السلطان على أخذ بلادهم إن شاء الله تعالى ولا يبقون منهم بقية، فننصحكم يا أهل الأقاليم المصرية، أنكم لا تحركوا الفتن والشرور بين البرية، ولا تعارضوا العساكر الفرنساوية، بشيء من أنواع الأذية، فيحصل لكم الضرر والهلاك، ولا تسمعوا كلام المفسدين، ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، فتصبحوا على ما فعلتم نادمين، وإنما عليكم دفع الخراج المطلوب منكم لكامل الملتزمين، لتكونوا بأوطانكم سالمين، وعلى أموالكم وعيالكم آمنين مطمئنين؛ لأن حضرة صاري عسكر الكبير أمير الجيوش بونابرته اتفق معنا على أن لا ينازع أحدا في دين الإسلام، ولا يعارضنا فيما شرعه الله من الأحكام، ويرفع عن الرعية سائر المظالم ويقتصر على أخذ الخراج، ويزيل ما أحدثه الظالمة من المغارم فلا تعلقوا آمالكم بإبراهيم ومراد، وارجعوا إلى مولاكم مالك الملك وخالق العباد، فقد قال نبيه ورسوله الأكرم، «الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها بين الأمم» - عليه أفضل الصلاة والسلام.

3

ولا شك أن نابوليون قد أدرك من منشور الدولة العثمانية لأهل مصر أن الحرب مع الأتراك آتية لا ريب فيها، وأن من مقتضى السياسة أن يزيد في التودد إلى المصريين، ويعيد إنشاء الديوان الذي ألغاه بعد ثورة القاهرة، ولكن على طريقة جديدة بعد الذي اكتسبه من الخبرة، وعرفه من مكانة الأفراد ومنزلتهم عند الشعب، وبعد ما عرف من عرف من الموالين له من المصريين والسوريين والأجانب في مصر، لذلك ارتأى أن يشكل الديوان على نظام مختلط من المشايخ والتجار والأجانب فأصدر أمره في 16 رجب «25 ديسمبر» بإنشاء ديوان مؤلف من ستين عضوا، وسماه الديوان العمومي، وقرر أن ينتخب من هؤلاء أربعة عشر عضوا يتألف منهم ديوان سماه «الديوان الخصوصي» وكأني باللورد دوفرين، بعد أربعة وثمانين سنة من هذا التاريخ، استعار هذا النظام «البونابارتي»، مع بعض التحوير، عند وضعه نظام مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية عقب الاحتلال البريطاني سنة 1882.

Page inconnue