Napoléon en Égypte

Ahmad Hafiz Cawad d. 1369 AH
112

Napoléon en Égypte

نابوليون بونابارت في مصر

Genres

إلى الشريف غالب بن مسعود

في الوقت الذي أنبئوك فيه بدخول الجيش الفرنسي إلى مصر، أرى من الواجب علي أن أؤكد لك بأن نيتي ترمي إلى تأمين طريق الحج إلى مكة بكل الوسائل الممكنة ، وستبقي المساجد والأملاك التي للحرمين الشريفين في مصر كما كانت في الماضي لا ينازعهما فيها منازع.

إننا أصدقاء لنبي المسلمين ولدينهم وسنعمل كل ما نستطيعه لإرضائكم وللتودد إلى الدين الإسلامي.

أريد منك أن تعلن الناس في كل مكان أن قوافل الحج لا تلقى في طريقها مقاومة، بل ستكون محمية بطريقة تجعلها في مأمن من اعتداء البدو عليها.

بونابرت

فانظر إلى هذه الدعاوى وتفهم منها ما كان يرمي إليه نابوليون في سياسته.

وهكذا أخذ نابوليون يتودد بجميع الوسائل للمصريين وعلمائهم وكبرائهم فكانت أوامره للقواد الذين عينهم في جهات القطر المصري مشددة بضرورة المحافظة على عادات المصريين وتقاليدهم، وعدم التعرض لدينهم وأموالهم وأعراضهم، وكان يوصي بذلك جميع الضباط والجنود المقيمين في القاهرة وضواحيها، ثم كان لا يفتر لحظة عن استرضاء المشايخ والسؤال عن خاطرهم، والاجتماع بهم، والتحدث معهم في المسائل العمومية وفي الأديان، مظهرا عظيم ميله إلى الدين الإسلامي إلى غير ذلك من وسائل التلطف وحسن السياسة ونهاية الدهاء.

وكان مما التفت إليه، للتأثير على جيشه وحمله على الرضى بحالته، أن شرع في الاستعداد لإقامة احتفال كبير يوم تذكار تأسيس الجمهورية الفرنساوية، وكان ذلك اليوم يقع في 22 سبتمبر، ولكن نابوليون شرع في الاستعداد للاحتفال به في الأسبوع الأخير من شهر أغسطس، عقب الاحتفال بالمولد النبوي مباشرة، ونص الأمر الذي أصدره، لبيان برنامج ذلك الاحتفال، مؤرخ في 26 أغسطس، وهذا الأمر يقضي بأن تحتفل الجنود الفرنساوية والموجودة في القاهرة حول بركة الأزبكية، والتي في الإسكندرية عند عمود السواري، والتي في الصعيد على أطلال طيبة «مع أنه في ذلك التاريخ لم يكن «ديزيه» قد برح بجيشه الفاتح للصعيد بلدة بني سويف» وقد وصف الجبرتي الزينات التي أقامها الفرنساويون للاحتفال بعيدهم هذا، فقال: «إنهم أقاموا في وسط بركة الأزبكية صاريا عظيمة «مسلة» نقشوا عليها تصاوير سواد في بياض ووضعوا قبالة باب الهواء بالبركة شبه بوابة كبيرة عالية «قوس النصر» من خشب مقفص وكسوها بالقماش المدهون مثل لون الصاري ونقشوا عليها تصاوير حرب المماليك المصرية معهم، وهم في شبه المنهزمين بعضهم واقع على بعض، وبعضهم ملتفت إلى خلف، وعلى موازاة ذلك من الجهة الأخرى بناحية قنطرة الدكة التي يدخل منها الماء إلى البركة مثال بوابة أخرى، وأقاموا أخشابا كثيرة منتصبة مصطفى منها إلى البوابة الأخرى شبه الدائرة متسعة محيطة بمعظم فضاء البركة، بحيث سار عمود السواري «المسلة» الكبير المنتصف المذكور في المركز، وربطوا بين تلك الأخشاب حبالا ممتدة وعلقوا بها صفين من القناديل، وبين ذلك تماثيل لحراقة البارود وأقاموا في عمل ذلك عدة أيام.» ولا ينقص وصف الشيخ الجبرتي شيء، سوى أن تلك الأخشاب المنتصبة كانت مائة عمود وتسعة أعمدة عدا رفع على كل عمود منها راية وكتب عليها أسماء مديريات فرنسا، وأن تلك التماثيل التي ذكرها كانت بشكل هياكل نقش عليها الذين قتلوا في معارك المماليك بمصر.

وفي الساعة السابعة من صباح يوم السبت «11 ربيع الثاني/22 سبتمبر» اصطفت الجنود على النظام الذي أعد لها وتقدم نابوليون يحف به قواده وأركان حربه ورؤساء المصالح وأعضاء المجمع العلمي «سيأتي الكلام عليه» وأعضاء الديوان وكتخدا الباشا ... ولنترك للشيخ الجبرتي الكلام على طريقته اللذيذة قال:

وفي حادي عشرة كان يوم عيدهم الموعود به فضربوا في صبيحته مدافع كثيرة، ووضعوا على كل قائم من الخشب بندبرة من بندبراتهم الملونة، وضربوا طبولهم، واجتمعت عساكرهم بالبركة الخيالة والرجالة، واصطفوا صفوفا على طرائفهم المعروفة بينهم، ودعوا المشايخ أعيان المسلمين والقبطة والشوام، فاجتمعوا ببيت صاري عسكري وجلسوا حصة من النهار، ولبسوا في ذلك اليوم ملابس الافتخار، ولبس المعلم «جرجس الجوهري» كركة بطرز قصب على أكتافها إلى أكمامها، وعلى صدرها شمسات قصب بازرار «سترة تشريفة فرنساوية» وكذا «فلتيوس» وتعمموا بالعمائم الكشميري، وركبوا البغال الفارهة، وأظهروا البشر والسرور في ذلك اليوم إلى الغاية، ثم نزل عظماؤهم «الفرنساوية» وصحبتهم المشايخ والقاضي وكتخدا الباشا وركبوا وذهبوا عند الصاري الكبير الموضوع بوسط البركة، وقد كانوا فرشوا في أسفله بسطا كثيرة، ثم إن العساكر لعبوا ميدانهم، وعملوا هيئة حربهم «مناورة» وضربوا المدافع والبنادق، فلما انقضى ذلك اصطفت العساكر صفوفا حول الصاري ، وقرأ عليهم كبير قسوسهم ورقة بلغتهم، لا يدري معناها إلا هم وكأنها كالوصية أو النصيحة أو الوعظ.

Page inconnue