المقدمة الثانية
فيما يتعلق بذلك
من جهة التصريف والأعراب
أعمى. لا ينصرف لما فيه من العلتين الفرعيتين: وهما الصفة ووزن الفعل. ويكتب بالياء لان مؤنثه عمياء.
والقاعدة عند أهل العربية أن لا يبنى أفعل تعجب ولا أفعل تفضيل من الألوان والعاهات. فلا يقال: هذا اسود من هذا، ولا هذا احمر من هذا في الألوان. ولا يقال: هذا أعور من هذا، ولا هذا أعرج من هذا. بل الصواب أن يقال فيه ذها أشد سوادًا وأشد حمرةً، وهذا اشد عرجًا واشد عورًا.
وأورد على هذه القاعدة قوله تعالى ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلًا. والجواب: أن هذا ليس من العاهات الظاهرة، بل هو من عمى البصيرة. قال الله تعالى فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور. وقرأ أبو عمرو: ومن كان في هذه أعمى بالإمالة فهو في الآخرة أعمى بالتفخيم. طلبًا للفرق بين ما هو اسم وبين ما هو أفعل منه: بالإمالة.
وعيب على أبي الطيب قوله في الشيب
إبعد بعدت بياضًا لا بياض له ... لأنت اسود في عيني من الظلم
وقال الناصر له: إن أسود هنا من قبيل الوصف المحض الذي تأنيثه سوداء وأخرجه عن حيز أفعل التفضيل. ويكون على هذا التأويل قد تم الكلام عند قوله لأنت اسود في عيني وتكون من التي في قوله من الظلم لبيان جنس السواد لا أنها صلة أسود.
مسألة لو قلت ما أسود زيدًا، وما أسمر عمرًا، وما أصفر هذا الطائر، وما أبيض هذه الحمامة، وما أحمر هذا الفرس. فسدت كل مسألة من وجه وصحت من وجه. ففساد جميعها، إذا أردت التعجب من الألوان. وتصحيح جميعها، إذا أردت التعجب من سودد، زيد ومن سمر عمرو. ومن صفير الطائر، ومن كثرة بيض الحمامة، ومن حمر الفرس، وهو نتن فيه من البشم وقول الشاعر:
1 / 13