قلت: هذا أيضًا مفرع على أن ابن أم مكتوم كان يعلم أن صناديد قريش كانوا عند رسول الله ﷺ. وقد أبدينا الاحتمال فاندفع.
قال: الوجه الثالث. أنه تعالى قال: إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون. فهذا النداء الذي صار كالصارف للكفار عن قبول الإيمان، وكالقاطع على الرسول أعظم وكان أولى أن يكون ذنبًا ومعصيةً وأن الذي فعله الرسول كان واجبًا.
قلت: ليس قول ابن أم مكتوم: يا رسول الله علمني مما علمك الله كالذي ينادونه من وراء الحجرات: يا محمد! أخرج إلينا. فإن الرسول لو ألقى إليه ذلك الوقت شيئًا مما علمه الله لكان خيرًا لمن يسمعه.
قال: السؤال الثاني انه تعالى عاتبه على مجرد كونه عبس في وجهه، ويكون ذلك تعظيمًا عظيمًا لابن أم مكتوم وكيف يليق بمثل هذا التعظيم أن يذكر باسم الأعمى. وإذا ذكر الإنسان بهذا الوصف اقتضى ذلك تحقيره.
قال السؤال الثالث الظاهر أنه كان ﷺ مأذونًا له أن يعامل أصحابه على حسب ما يراه مصلحة. وكان كثيرًا ما يؤدب أصحابه ويزجرهم عن أشياء. وكيف لا يكون ذلك، وهو إنما بعث ليؤدبهم ويعلمهم محاسن الآداب، وإذا كان كذلك كان التعبيس داخلًا في تأديب أصحابه. فكيف وقعت المعاتبة؟ قال رحمه الله تعالى: والجواب عن السؤال الأول من وجهين.
الأول أن الأمر وإن كان على انه تكريم إلا أن ظاهر الواقعة يوهم تقديم الأغنياء على الفقراء وانكسار قلوب الفقراء. فلهذا خلصت المعاتبة. ونظيره قوله تعالى ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي.
قلت: ما هو من ظاهر الواقعة، بل هو من صريح القرآن، لقوله تعالى: أما من استغنى فأنت له تصدى.
قال: الوجه الثاني لعل هذا العتاب ما وقع على ما صدر من الرسول من الفعل الظاهر، بل على ما كان منه في قلبه. وهو أنه ﷺ كان قد مال قلبه إليهم بسبب قرابتهم، وكان ينفر طبعه عن الأعمى بسبب عماه وعدم قرابته وقلة شرفه فلما وقع
1 / 21