به هو تعقل ذاته في كمالها الأبدي ليصير مثله في أن يحصل له الكمال الممكن في ذاته كما حصل لمعشوقه فالنسبة بالخير يوجب البقاء الأبدي على أكمل ما يكون لجوهر الشيء في أحواله ولوازمه دائما لذلك. فما كان يمكن أن يحصل كماله الأقصى له في أول الأمر ثم تشبهه به بالثبات وما كان لا يمكن أن يحصل له كماله الأقصى في أول الأمر ثم تشبهه به بالحركة وتحقيق هذا هو أن الجوهر السماوي قد بان أن محركه محرك عن قوة غير متناهية والقوة التي لنفسه الجسمانية متناهية لكنها بما تعقل الأول فيسيح عليها من قوته ونوره دائما تصير كأنها لها قوة غير متناهية ولا يكون لها قوة غير متناهية بل المعقول الذي يسيح عليها نوره وقوته. وهو " أعني الجرم السماوي " في جوهره على كماله الأقصى إذ لم يبق له في جوهره أمر بالقوة وكذلك في كمه وكيفه إلا في وضعه وأينه أولا وفيما يتبع وجودهما من الأمور ثانيا فإنه ليس أن يكون على وضع وأين أولى بجوهره من أن يكون على وضع وأين آخر له في حيزه فإنه ليس شيء من أجزاء مدار فلك أو كوكب أولى بأن يكون ملاقيا لجزء من جزء آخر فمتى كان في جزء بالفعل فهو في جزء آخر بالقوة. فقد عرض لجوهر الفلك ما بالقوة من جهة وضعه أو أينه. والتشبه بالخير الأقصى يوجب البقاء على أكمل كمال يكون للشيء دائما ولم يكن هذا ممكنا للجرم السماوي بالعدد فحفظ بالنوع والتعاقب فصارت الحركة حافظة لما يمكن من هذا الكمال ومبدؤها الشوق إلى التشبه بالخير الأقصى في البقاء على الكمال الأكمل بحسب الممكن: ومبدأ هذا الشوق هو ما يعقل منه. وأنت إذا تأملت حال الأجسام الطبيعية في شوقها الطبيعي إلى أن تكون بالفعل أينا لم تتعجب أن يكون جسم يشتاق شوقا إلى أن يكون على وضع من أوضاعه التي يمكن أن تكون له وإلى أن يكون على أكمل ماله من كونه متحركا وخصوصا ويتبع ذلك من الأحوال والمقادير الفائضة ما يتشبه فيه بالأول من حيث هو مفيض للخيرات لا أن يكون المقصود هو التشبه بالأول بمقدار الامكان في أن يكون على أكمل ما يكون في نفسه وفيما يتبعه من حيث هو تشبه بالأول لا من حيث يصدر عنه أمور بعده فتكون الحركة لأجل ذلك التشبه بالمقصود الأول مثلا: وأقول إن نفس الشوق إلى التشبه بالأول من حيث هو بالفعل يصدر عنه الحركة الفلكية صدور الشيء عن التصور الموجب له وإن كان غير مقصود في ذاته بالقصد الأول لأن ذلك تصور لما بالفعل فيحدث عنه طلب لما بالفعل الأكمل. ولا يمكن بالشخص فيكون بالتعاقب وهو الحركة لأن الشخص الواحد إذا دام لم يحصل لأمثاله وجود وبقيت دائما بالقوة فالحركة تتبع أيضا ذلك التصور على هذا
Page 218