142

فصل في أنه لا شيء من المدرك للجزئي بمجرد ولا من المدرك للكلي بمادي

وكل إدراك جزئي فهو آلة جسمانية أما المدرك من الصور الجزئية كما تدركه الحواس الظاهرة وهو المدرك على هيئة غير تامة التجريد والتفريق عن المادة ولا مجردة أصلا عن علائق المادة فالأمر فيه واضح سهل - وذلك لأن هذه الصور إنما تدرك ما دامت المواد حاضرة موجودة والجسم الحاضر الموجود إنما يكون حاضرا موجودا عند جسم وليس يكون حاضرا عند ما ليس بجسم فإنه لا نسبة له إلى قوة مجردة من جهة الحضور والغيبة فإن الشيء الذي ليس في مكان لا يكون للشيء المكاني إليه نسبة في الحضور عنده والغيبة عنده بل الحضور لا يقع إلا على وضع وقرب وبعد للحاضر عند المحضور - وهذا لا يمكن إذا كان الحاضر جسما إلا أن يكون المحضور جسما أو في جسم وأما المدرك للصور الجزئية على تجريد تام من المادة وعدم تجريد البتة من العلائق كالخيال فهو لا يتخيل إلا أن ترتسم الصورة الخيالية منه في جسم ارتساما مشتركا بينه وبين الجسم ولنفرض الصورة المرتسمة في الخيال صورة زيد على شكله وتخطيطه ووضع أعضائه بعضها عن بعض فنقول إن تلك الأجزاء والجهات من أعضائه يجب أن ترتسم في جسم وتختلف جهات تلك الصورة في جهات ذلك الجسم وأجزاؤها في أجزائه ولننقل صورة زيد إلى صورة مربع " ا ب ج د " المحدود المقدار والجهة والكيفية واختلاف الزوايا بالعدد وليكن متصلا بزاويتي " ا ب " منه مربعان كل واحد منهما مثل الآخر ولكل واحد جهة معينة لكنهما متشابها الصور ويرتسم من الجملة صورة شكل جزئية واحدة بالعدد في الخيال فنقول إن مربع " ا ه ر و " وقع غيرا بالعدد لمربع " ب ح ط ي " ووقع في الخيال منه بجانب اليمين ومتميزا عنه بالوضع في الخيال فلا يخلو إما أن تكون لصورة المربعية أو تكون لعارض خاص له في المربعية غير صورته أو يكون للمادة التي تنطبع فيها ولا يجوز أن يكون مغايرته له من جهة الصورة المربعية وذلك أنا فرضناهما متشاكلين متشابهين متساويين ولا يجوز أن يكون ذلك لعارض يخصه - أما أولا فلأنا لا نحتاج في تخيله يمينا إلى اعتبار إيقاع عارض فيه ليس في ذلك وأما ثانيا فلأن ذلك العارض إما أن يكون شيئا فيه نفسه لذاته أو يكون شيئا له بالقياس إلى ما هو شكله في الموجودات حتى يكون كأنه شكل منزوع عن موجود هو بهذه الحال أو يكون شيئا له بالقياس إلى القوة القابلة أو يكون شيئا له بالقياس إلى المادة الحاملة - ولا يجوز أن يكون شيئا له في نفسه من العوارض التي

Page 142