أنها لا تكون مجردة عن اللواحق المادية فالحس لم يجردها عن المادة تجريدا تاما ولا جردها عن لواحق المادة - وأما الخيال فإنه قد جردها عن المادة تجريدا تاما ولكنه لم يجردها البتة عن لواحق المادة لأن الصورة في الخيال هي على حسب الصور المحسوسة وعلى تقدير ما وتكييف ما ووضع ما. وليس يمكن في الخيال البتة أن يتخيل صورة هي بحال يمكن أن يشترك فيه جميع أشخاص ذلك النوع فإن الانسان المتخيل يكون كواحد من الناس ويجوز أن يكون أناس موجودين ومتخيلين ليسوا على نحو ما تخيل الخيال ذلك الانسان. وأما الوهم فإنه قد تعدى قليلا عن هذه المرتبة في التجريد لأنه ينال المعاني التي ليست هي في ذواتها بمادية. وإن عرض لها أن تكون في مادة وذلك لأن الشكل واللون والوضع وما أشبه ذلك أمور لا يمكن أن تكون إلا لمواد جسمانية وأما الخير والشر والموافق والمخالف وما أشبه ذلك فهي أمور في أنفسها غير مادية وقد يعرض لها أن تكون في مادة والدليل على أن هذه الأمور غير مادية أن هذه الأمور لو كانت بالذات مادية لما كان يعقل خير أو شر أو موافق أو مخالف إلا عارضا لجسم ولكن قد يعقل ذلك فبين أن هذه الأمور هي في أنفسها غير مادية - وقد عرض لها إن كانت مادية - والوهم إنما ينال ويدرك أمثال هذه الأمور فإذا هي تدرك أمورا غير مادية وتأخذها عن المادة فهذا النزع أشد استقصاء وأقرب إلى البساطة من النزعين الأولين إلا أنه مع ذلك لا يجرد هذه الصورة عن لواحق المادة لأنه يأخذها جزئية وبحسب مادة مادة وبالقياس إليها ومتعلقة بصور محسوسة مكيفة بلواحق المادة ولأنه يأخذها بمشاركة الخيال فيها - وأما القوة التي تكون الصور المستثبتة فيها إما صور موجودات ليست بمادية البتة لا يعرض لها أن تكون مادية أو صور موجودات ليست بمادية ولكن قد ويعرض لها أن تكون مادية أو صور موجودات مادية ولكن مبرأة عن علائق المادة من كل وجه - فبين أنها تدرك الصور بأن تأخذها أخذا مجردا عن المادة من كل وجه - أما ما هو متجرد بذاته عن المادة فالأمر فيه ظاهر - وأما ما هو موجود للمادة إما لأن وجوده مادي وإما عارض له ذلك فنزعها عن المادة من كل وجه وعن لواحق المادة معها في أخذها أخذا مجردا حتى يكون الانسان الذي يقال على كثيرين فتأخذ الكثيرة طبيعة واحدة وتفرزه عن كل كم وكيف وأين ووضع مادي - ثم تجرده عن ذلك بما يصلح أن يقال على الجميع فبهذا يفتقرق إدراك الحاكم الحسي وإدراك الحاكم الخيالي وإدراك الحاكم
Page 141