Vers une philosophie scientifique
نحو فلسفة علمية
Genres
فهذان حكمان كل منهما احتمالي لا يقيني؛ فليس بالضروري أن تلقي زهرة اللعب فتظهر الأربعة، وليس بالضروري أن يكون أخي قد سافر أمس، لكن الاحتمال في الحالة الأولى له درجة حسابية معلومة، وأما الاحتمال في الحالة الثانية فلا يمكن قياسه على هذا النحو، وإن لم يكن ذلك مستحيلا، بل إن الباحثين في منطق الاحتمال منذ نحو ثلاثين عاما فقط - وعلى رأسهم «كينز»
7
و«فون ميزس»
8 - لم يكونوا يفرقون بين النوعين، حتى جاء الفوج الأخير من الباحثين في هذا الموضوع نفسه، فأوشكوا الآن على إجماع بأن الاحتمال نوعان مختلفان؛ فمنه ما يخضع لتقدير كمي ومنه ما ليس يخضع لمثل هذا التقدير، وأخص بالذكر من هؤلاء «بوبر» و«كارناب» و«رسل» و«وليم نيل»،
9
حتى لقد أطلق معظمهم اسمين مختلفين على ذينك النوعين من الاحتمال؛ فبينما حاول «كينز» و«فون ميزس» أن يردا نوعي الاحتمال إلى ضرب واحد يمكن تقديره إذا ما توافر العلم الكافي بتفصيلات الأمر، لم يعد هؤلاء المعاصرون يحاولون ذلك، مقتنعين بأن كثيرا جدا من المواقف الاحتمالية التي يرجح فيها الإنسان صدق حكمه، كقولي «إن أخي يحتمل أن يكون قد سافر أمس»، يتعذر فيها أن نجد ما يمكن إخضاعه للعد والحساب.
أما الحالات التي يكون فيها الاحتمال محسوب الدرجة حسابا فيه دقة الرياضة وضبطها، فالتحليل يظهرها على حقيقتها؛ فإذا هي أدخل في باب الرياضة منها في باب المعارف التجريبية، فلا فرق جوهري بين أن أقول في هندسة إقليدس إن زوايا المثلث تساوي قائمتين استنادا في ذلك على بديهيات تلك الهندسة مضافا إليها تعريفات الألفاظ المستعملة كما تقدم بها إقليدس في صدر بحثه، بحيث تجيء هذه الحقيقة عن مجموع زوايا المثلث نتيجة ضرورية لازمة عن تلك المقدمات، أقول إنه لا فرق جوهري بين هذا القول عن زوايا المثلث ، وبين أن أقول عن زهرة اللعب إنها إذا رميت فاحتمال أن تكون الأربعة إلى أعلى مقداره 1 / 6؛ لأنني في هذه الحالة أيضا أستخلص نتيجة تلزم بالضرورة عن مقدمات هي بديهيات المنطق الاحتمالي وتعريفات الألفاظ المستخدمة في هذا السياق؛ فنحن في منطق الاحتمال نقدم بديهية هي أنه لو تساوت درجة الاحتمال في مجموع الحالات الممكنة، كان مقدار احتمال وقوع أي حالة منها هو كسر بسطه واحد ومقامه عدد الحالات الممكنة المتساوية الاحتمال؛ ففي مثال الزهرة السابق، مجموع الحالات الممكنة هو ستة، والمفروض أن تكون كلها متساوية في درجة احتمال وقوعها؛ وإذن فمقدار احتمال وقوع واحدة منها هو 1 / 6. إنها - كما تري - نتيجة لازمة عن مقدمات مفروضة.
لكنني لا أنتفع كثيرا بعلمي أن سقوط الزهرة بالأربعة إلى أعلى درجة احتماله 1 / 6؛ لأن مثل هذه النتيجة تظل قائمة حتى لو رميت الزهرة ست مرات متتالية فلم تظهر الأربعة إلى أعلى أبدا، أو ظهرت الأربعة في الحالات الست جميعا؛ فما العلاقة - إذن - بين أن تكون النتيجة النظرية الحسابية هي أن ظهور الأربعة إلى أعلى احتماله 1 / 6 وبين الواقع كما يحدث فعلا؟ هنا تأتي نظرية الأعداد الكبيرة التي مؤداها أنه كلما زاد عدد الرميات أخذ متوسط ظهور الأربعة إلى أعلى يقرب تدريجا من 1 / 6، حتى يكون الانحراف بين ذلك المتوسط وبين هذه النسبة النظرية من الضآلة بدرجة تجيز إهماله.
إن ما يهمنا الآن هو كيف يصلح حساب الاحتمال سندا لقضية تجريبية عامة؟ ونظرية الأعداد الكبيرة التي أسلفنا خلاصتها توضح ذلك؛ فمثلا قد تدلني الإحصاءات الماضية على أن نسبة المواليد الذكور تزيد قليلا عن نسبة المواليد الإناث، بحيث يمكن أن أقول بناء على ذلك إن الوليد المنتظر أقرب إلى أن يكون ذكرا منه إلى أن يكون أنثى، لكنني لا أستطيع بناء على ذلك أن أتنبأ بجنسه قبل ولادته أذكر هو أم أنثى؛ معنى ذلك أن تحقيق الحكم العام السابق لا يكون بالالتجاء إلى أية حالة جزئية على حدة، بل لا بد من الرجوع إلى حالات جزئية كبيرة العدد، حتى إذا ما رأيت متوسط المواليد يقرب تدريجا وبصفة ثابتة من رقم يجعل المواليد الذكور أكثر قليلا من المواليد الإناث، تحققت الدعوى؛ ومن ثم يظهر الفرق المنطقي بين قضية تعمم الحكم تعميما ضروريا، وأخرى تعممه تعميما احتماليا، بين قضية مثل «زوايا المثلث تساوي قائمتين»، وأخرى مثل «المصريون ساميون»؛ ففي الأولى تتحقق القضية في كل جزئية من جزئياتها، في كل مثلث تقع عليه، وفي الثانية لا تتحقق القضية إلا باللجوء إلى متوسط عدد كبير من الحالات بحيث يميل بنا هذا المتوسط نحو رقم ثابت نصل إليه هو نفسه مهما اختلفت العينات العشوائية التي نجمعها لحساب متوسطاتها. ولو أخذنا عينة نختارها بطريقة عشوائية فوجدناها منحرفة انحرافا ملحوظا عن المتوسط المفروض، كان ذلك مدعاة إلى رفض التعميم الإحصائي الذي قدمناه.
10
Page inconnue