وقامت إلى حجرتها، وقال فؤاد: ما هذا الذي تقوله ابنتك؟ - ربما يا أخي زهقت وتريد أن تعرف رأسها من رجليها. - أيعني هذا أن نقول لهم تعالوا اخطبوا بنتنا. - والله أنا الأخرى زهقت. - ومن أجل هذا جريت إلى التليفون؟ - إذا كان البنت تكلمت ألا نتحرك نحن؟ - فكري قليلا في الأمر. - والله لو كانوا أغرابا علينا لكان كلامك هذا معقولا، ولكن سويلم ونعمات أخوات. - مهما يكن الأمر، إذا كان هما لم يتكلما. - والله لك حق، ما الذي جعلهما لا يتكلمان. - كل بيت له أسراره. - إلا بيت سويلم، فليس فيه أسرار علينا أبدا. - لكل بيت أسراره. - على كل حال نحن وعدنا إلهام أن نتكلم وندعوهما. - ألا نفكر قليلا؟ - اسمع. - ماذا؟ - ما رأيك لو جعلناها مكالمة عادية؟ - ما معنى عادية أنا أكلم سويلم يوميا وأنت تكلمين نعمات يوميا، ما عادية هذه؟ - أقصد دعوة عادية. - كيف؟ - سترى.
قامت إلى التليفون ولكن فؤاد يقول لها: يا شيخة انتظري، انتظري حتى نتفاهم. - نتفاهم في ماذا، أي عجيبة أن تدعو سويلم ونعمات ومجدي على العشاء، انتظر سترى.
وطلبت الرقم. - ألو، نعمات، كيف أنت؟ اسمعي، فؤاد وأنا قلنا مرة واحدة كدا في نفس واحد لكم زمان لم تتعشوا معنا، هل عندكم حاجة يوم الخميس، نتعشى معنا؟ وقولي لمجدي إذا لم يكن مرتبطا يأتي يتعشى معنا أم ترى نفسه كبرت بعد أن أصبح مهندسا؟ مجدي ابني أكثر منك، أنا أمه وأستاذته، سويلم بجانبك، اسأليه، عال، نحن في انتظاركم.
وأقفلت التليفون وهي تقول لفؤاد: هيه ما رأيك؟ - لا بأس، والسلام. •••
قال سويلم: ماذا سنقول لهم؟ - وهل أعلم. - الجماعة يستعجلون الخطبة. - لهم حق، الولد أخذ الشهادة وعين أيضا ماذا ننتظر؟ - وماذا قالت لك عن مجدي؟ - بعيد عنك كلام جعلني في نصف هدومي، ابني وأنا أمه وأستاذته وكلام يجعل اللقمة تقف في الزور. - نعتذر. - أمرك. - وافرضي اعتذرنا هذه المرة ماذا سنفعل المرة القادمة؟ - والله لا أعلم. - اسمعي نحن نذهب ونقول لمجدي يأتي معنا، وكأن الأمور طبيعية وبعد ذلك أكلم مجدي مرة أخرى وربنا يعمل ما فيه الخير . - أمرك. •••
كانت إلهام تعلم أن سويلم وزوجته ينامان في القيلولة ومجدي لا ينام، طلبت في القيلولة من حجرتها متحرية ألا يسمعها أبواها. - مجدي؟ - نعم، من؟ إلهام، أهلا إلهام. - اسمع يا مجدي أنتم مدعوون عندنا يوم الخميس. - نعم أعرف. - أريدك أن تأتي. - هل هناك شيء؟ - أنا أريدك أنت بالذات أن تأتي، أرجوك من أجل خاطري لا تعتذر. - أنا كنت آتيا على كل حال. - أعرف وإنما أردت أن أتأكد، أرجوك لا تعتذر لأي سبب. - يا سلام يا إلهام أنت تعرفين مكانتك عندي ولا أستطيع أن أتأخر عنك مطلقا. - أعرف هذا، شكرا يا مجدي هذا ما كنت أنتظر فعلا. •••
جلس الجميع في انتظار العشاء وكانت تعده لهم الحاجة رشيدة، التي لا يغيب عنها خبر في بيوت المنطقة كلها، فمطبخها منتدى الخدم الذين يجاورون العمارة جميعا، وفي هذا المطبخ عرفت قصة سميحة كاملة بكل تفاصيلها، والحاجة رشيدة هي التي ربت إلهام منذ هي رضيع فهي لا تخفي عنها شيئا.
كانت الأسرتان إذا اجتمعتا لا يجد الكلام فرصة يهدأ فيها، فالأخبار تتوالى بينهم والتعليقات لا تكف عن كل شخص وعن كل موضوع.
أما في هذه المرة فالكلام يتعثر قبل أن يخرج والصمت يجد لنفسه مكانا متسعا، وبعد كل فترة قصيرة يصيح سويلم وكأنه صاحب بيت: يا أمه رشيدة متنا من الجوع يا أمه رشيدة.
وفؤاد يتصايح معه في مزاح لا يجرؤ أن يكون طبيعيا، وتختلس إلهام وهي مدركة للموقف كل الإدراك نظرة إلى مجدي فتجده متحرجا غاية في الحرج، فعلى وجهه وجمة تتشح لتكون تظاهرا بالسرور، وعلى فمه ابتسامة يحاول أن يثبتها على شفتيه فتنفلت منه، تريد أن تغوص في أعماقه مرة أخرى، ونعمات في سذاجتها الطيبة حائرة لا تعرف كيف تتصنع أي شيء، ومن ينعم النظر إليها يجدها مستسلمة في خضوع لما يجري حولها لا تملك حولا ولا قوة، أما وهيبة فداخلة خارجة من حجرة الاستقبال، توهم الجميع بأنها تساعد رشيدة في إعداد العشاء، وهي في الواقع لا تصنع شيئا إلا المشي بلا غاية ، تحاول أن تجعله يبدو كأنه اهتمام بمن عندها من أعزاء فتفشل محاولتها فشلا ذريعا.
Page inconnue