ولو لم يعرف ذلك إلا بعبد الله بن العباس وحده كان ذلك كافيا، وبرهانا شافيا، فإن الأعجوبة فيه أربت على كل عجب، وقطعت كل سبب. وقد رأيتم حاجة عمر إليه، واستشارته إياه، وتقويمه لعثمان رضي الله عنهما وتغييره عليه. ولو لم يكن للفضيلة من بين أقرانه مستحقا، وبها مخصوصا، ما خصه الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعوة المستجابة، ولما خصه بعلم الكتاب والسنة وهما أرفع العلم، وأشرف الفكر. ويدلك على تقديمه للغاية، وإيثاره للتعليم والاستبانة، قوله حين قيل له في حداثته وقبل البلوغ في سنه: ما الذي آتاك هذا العلم وهذا البيان والفهم؟ قال: " قلب عقول، ولسان سؤول ".
وقد عرفتم تحاكم العرب في الجاهلية في النفورة، وفي غير ذلك من المخايرة والمشاورة، إلى أبي جهل بن هشام في أيام حداثته وفتائه؛ ولذلك أدخلوه دار الندوة، ودفع مع ذوي الأسنان والحنكة من بين جميع الشبان، ومن بين جميع الفتيان.
Page 300