Nafha Zakiyya
النفحة الزكية في تاريخ مصر وأخبار الدولة الإسلامية
Genres
الفصل الثالث
في الطبقة الثالثة، وهي الدولة الحديثة، وفيه أربعة مطالب:
أقامت هذه الدولة 1371 سنة (2325-954ق.ه)، وتشتمل على أربع عشرة عائلة؛ من العائلة الثامنة عشرة إلى العائلة الحادية والثلاثين، وفيها حصلت إغارات الإثيوبيين والآشوريين والعجم.
المطلب الأول
في عصر الفتوحات، وهو العصر الثالث من أعصار التمدن المصري
إن عصر العائلات الثلاث الأولى من هذه الدولة كان في الرونق والبهاء كعصر العائلة الرابعة من الدولة القديمة وكعصر العائلة الثانية عشرة من الدولة الوسطى؛ أي إنه يكون المدة الثالثة من عصر التمدن المصري، وتسمى هذه العائلات الثلاث؛ أي الثامنة عشرة والتاسعة عشرة والعشرون، بالعائلات الحربية؛ فإن في عهدها كثرت فتوحات مصر واتسعت حدودها، فامتد حكمها شمالا لغاية شواطئ الدجلة والفرات، وجنوبا لغاية إقليم النيل الأزرق، وشرقا إلى الشاطئ الغربي من بلاد العرب، ودخل في حوزتها أيضا كثير من جزائر البحر الأبيض المتوسط، وكانت مكللة بالنصر في جميع فتوحاتها سواء كانت برا أو بحرا.
فأما العائلة الثامنة عشرة فكان أشهر ملوكها الملك أمنحتب الأول الذي فتح بلاد الإثيوبية لغاية البحر الأزرق، وأسس فيها مستعمرة مصرية يبلغ اتساعها قدر اتساع مصر، والملك تحتمس الأول أول من دخل بلاد آسيا من ملوك مصر وأخضع بلاد الشام لغاية نهر الفرات، ثم الملك تحتمس الثالث أعظم الذين اشتهروا بالفتوحات من ملوك مصر؛ فقد أوغل بجيوشه في مبدأ الأمر في آسيا لغاية نهر الدجلة، وأدخل تحت طاعته الأمم الذين كان أخضعهم أبوه تحتمس الأول، وأقاموا عليه راية العصيان، ثم استولى أيضا على أغلب جزائر البحر الأبيض المتوسط بمساعدة مراكب فينيقية، فتملك أولا على جزيرتي قبرص وكريد، ثم على جزائر بحر الأرخبيل وجزء عظيم من شواطئ بلاد اليونان وآسيا الصغرى، ووطد سلطته أيضا على ساحل بلاد ليبيا، وقد حكم أربعا وخمسين سنة.
أما أشهر ملوك العائلة التاسعة عشرة فهو رمسيس الثاني الملقب سيزوستريس ابن الملك سيتي ثاني ملوك هذه العائلة، ويقال له أيضا رمسيس الأكبر؛ لأنه كان أعظم ملوك مصر قوة وشوكة، وطالت مدة حكمه، وكثرت فيها الآثار المصرية والعمائر الجسيمة حتى لا يكاد يوجد بوادي النيل أثر من الآثار القديمة والعمائر العظيمة إلا وعليه اسمه ورسمه، وقد لقب هذا الملك في أيام والده بولي العهد، وكان مشتغلا بالحروب والغزوات؛ فإن والده أشركه معه في الحكم وهو صغير، وصار يعلمه اقتحام الأهوال ويعوده على مقاساة الأخطار؛ فأرسله لغزو بلاد الشام وكان عمره عشر سنين، فغزاهم بجنود والده، وأدخلهم تحت الطاعة، ثم حارب أيضا بلاد الإثيوبية، فتعود على الشجاعة والرئاسة، وكان يتولى الحكم في حياة أبيه لكبر سنه، حتى مات والده واشتغل بالملك فقام بأعبائه، واستتبت الراحة واستمر الهدوء في بلاده إلى آخر السنة الرابعة من حكمه، وبعد ذلك قامت عليه جميع سكان آسيا الغربية، وكانوا أقواما ذوي قوة وشجاعة، فخرج لملاقاتهم في السنة الخامسة من حكمه بجيش مؤلف من 150 ألف مقاتل، وسار إلى أن عبر أرض كنعان، ووصل إلى وادي الأورنط بقرب مدينة كدش، فقابله اثنان من الأعداء وقالا له: إن الأعداء تقهقروا إلى حلب، فاغتر بكلامهما، وزحف على الأعداء بحرسه الملوكي فقط، وكان باقي جيشه بعيدا عنه، فلما تقدم نحو مدينة كدش فاجأه الأعداء بجيش مؤلف من 80 ألف مقاتل، وهجموا عليه، فانهزم من معه وولوا الأدبار، وبقي هو بين أعدائه وحيدا، فتأهب للقتال بنفسه، وحمل على الأعداء بشجاعته، ولم يزل يقاتلهم حتى أدركته رجاله وفرسانه وحملوا معه، فانكسر الأعداء وطلبوا الصلح فصالحهم، ثم عادوا إلى الحرب ثانيا، واستمرت الوقائع بينهم مدة خمس عشرة سنة، حتى كاد يفنى غالب رجال الفريقين، فانعقد الصلح بين الطرفين في سنة 21 من حكم رمسيس، ثم تمم الملك رمسيس مدة السبعة وستين سنة التي أقامها على كرسي الملك في تشييد العمارات الجسيمة والمباني الفاخرة، وقبل موته أشرك معه في الحكم ابنه الثالث عشر المسمى منفتاح، فخلفه بعد أن مات، وهو الذي في أيامه كان خروج بني إسرائيل من مصر تحت رئاسة موسى عليه السلام.
وأما العائلة العشرون فكان أشهر ملوكها الملك رمسيس الثالث، ثاني ملوكها الذي فتح بلاد البون؛ أي بلاد اليمن، وكانت مصر في عهده في الشوكة التي كانت عليها أيام تحتمس الثالث ورمسيس الثاني. غير أن هذه الحروب التي وقعت في عهد الثلاث عائلات المذكورة ومكثت نحو الثلاثة قرون قد أضعفت مصر؛ فأخذت قوتها في الانحطاط من وقتئذ، ثم ضعفت السلطة الملوكية بها أيضا، فابتدأ الاختلال في الحكومة، فاستولى على التدريج كهنة آمون بطيبة على وظائف الحكومة المهمة، ولم تزل تزداد سلطتهم حتى إن رئيسهم المدعو حرحور اغتصب السلطة الملوكية في أواخر أيام هذه العائلة.
المطلب الثاني
Page inconnue