القسطنطنية، فقضت- من ثم- أياما عصيبة- وربما شهورا- حتى عاد الخال من رحلته، ليجد أولاد أخته وهم «على آخر رمق» «١» فكفلهم وربّاهم وتعهدهم برعايته.
ولأنه كان مثقفا بحسب ثقافة ذلك العصر، ويعمل في إدارة أحد المرافق الدينية المهمة في المدينة، ويكسب رزقه من أوقافه، فإنّه أدرك ألا سبيل لأن يفوز من يرعاهم بتقدير المجتمع، وأن يضمنوا- بذلك- مستقبلهم، إلا بالاتجاه إلى طلب العلم، ومن هنا فقد أرسلهم إلى الكتّاب، حيث تلقوا- وعبد الله بينهم- مبادئ العلوم الدينية على يد الشيخ عبد الرحمن بن الشيخ محمود من أهل ما وراء النهر، فختموا عنده القرآن الكريم، وتلقوا عليه رسالة في التجويد، وتعلموا الكتابة.
ويتضح لنا مدى الأثر الذي تركه هذا الشيخ على الطفل عبد الله، مما أغدقه عليه من صفات، وما استنزله عليه من رحمات، إذ قال «شيخنا الصالح الناسك الورع التقي العالم..
﵀ رحمة واسعة في الدين والدنيا» .
وبعد الفراغ من تلقي مبادئ المعرفة، انتقلوا- وعبد الله بينهم- إلى المرحلة التالية، فشرعوا بتعلم الخط، على قواعده، وأصوله وفنونه، وثابر عبد الله على إتقان ضروبه، والتمهر فيه، على الرغم من ضيق وأحوال أسرته المادية آنذاك، يقول «إلى أن بقيت أسوّد مشقي على ضوء القمر» وما ذاك إلا لأنه عدم ضوء المصباح، ولعدم قدرته على دفع ثمن وقوده، ويظهر أن الظروف المعيشية للأسرة، هي التي دفعتها، في هذه المرحلة، إلى الاكتفاء بما نهله أبناؤها من أسباب المعرفة، فاشتغلوا بأعمال تزيد من دخل الأسرة وتخفف عن كاهل الأم وأخيها مؤونة الحياة وأعباءها.
متاعب الدرس:
بيد أن رغبة عبد الله في مواضلة التعليم لم تكن اعتيادية، فقد ذاق حلاوة المعرفة،
1 / 10