رأيت، ولا حَملْت عن أجل منه فيما رأيت ورَوْيت" ... في كلام طويل أعطى فيه شيخه حقه من الثناء، وبيان علو مكانته العلمية (١).
وسيأتي في دراسة شرح ابن سيد الناس للترمذي أن من مصادره فيه، النقل المتعدد عن بعض مؤلفات شيخه، وما سمعه منه مشافهة؛ لكن يجدر التنبيه أيضًا إلى أن تأثر المؤلف بشيخه وإعجابه به وتقديره، لم يمنعه من تعقبه في بعض الأحيان فيما ينقله عنه، وهذا هو الموقف اللائق، بالتلميذ من أستاذه، فلا يجعل إعجابه به مانعًا من مخالفته الرأي إذا بدا له أن الحق مع غيره، مع التزامه في ذلك خلق العلماء في الحوار والنقد.
ومن جهة أخرى، فإن أحد أقران ابن سيد الناس وزميله في التلمذة على ابن دقيق العيد، وملازمته قرر: أنه تأثر في منهجه في شرح الترمذي بشيخه فقال: (وشرع لشرح الترمذي، ولو اقتصر على فن الحديث من الكلام على الأسانيد لكمل؛ لكنه قصد أن يَتبع شيخه ابن دقيق العيد، فوقف دون ما يريد!) (٢).
وسيأتي رد كلام هذا القرين من جهة دعواه وقوف ابن سيد الناس دون ما يريد، ولكن المقصود هنا تقرير تأثره بشيخه ورؤية قرينه أنه حاول ترسم خطى شيخه في شرحه للحديث من مختلف جوانبه الحديثية والأصولية والفقهية، واللغوية وغيرها كما سيأتي في بيان منهجه، ولعل قرينه هذا يشير إلى شرح ابن دقيق العيد المسمى (بالإِمام) على شرح كتابه الإلمام، فقد توسع فيه ابن دقيق العيد كثيرًا كما قدمت.
وبهذا يظهر لنا بجلاء أثر ابن دقيق العيد في تلميذه ابن سيد الناس سواء من ناحية شخصه، أو من ناحية تكوينه العلمي، ونتاجه في علوم السنة وغيرها.
_________
(١) انظر طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي ٩/ ٢٥٧ وما بعدها.
(٢) راجع فيما أوردته في ترجمة ابن دقيق العيد، تذكرة الحفاظ ٤/ ١٤٨٢، ١٤٨٣ وطبقات الشافعية لابن السبكي ٩/ ٢٠٧ ما بعدها، ولابن قاضي شهبة ٢/ ٢٩٩. وما بعدها.
1 / 33