ذلك لا يجوز عقلا ، من حيث يقدح في النبوة ، ويقتضي التنفير ، وتارة أخرى يقولون : إنه جائز ، إلا أن السمع ورد بالمنع منه. وربما قالوا : إنه لم يوجد ما هذه حاله في الشرع.
فأما العقل ؛ فلا وجه فيه للمنع من ذلك عند التأمل الصحيح ؛ لأنه تعالى إذا أراد أن يدل على الحكم ، فهو مخير بين أن يدل عليه بكتاب ، أو سنة مقطوع بها ؛ لأن دلالتهما لا يتغير ، ويجريان مجرى آيتين ، أو سنتين.
وأما التنفير فلا شبهة في ارتفاعه ؛ لأن المعجز إذا دل على صدقه عليه السلام ، لم يكن في نسخه الأحكام بسنة إلا مثل ما في نسخه لها بما يؤديه من القرآن ، وتطرق التهمة في الأمرين يمنع منه المعجز.
وأما ادعاؤهم أنه لم يوجد فخلاف في غير هذه المسألة ؛ لأن كلامنا الآن على جوازه ، لا على وقوعه.
[في أدلة من ادعى أن السمع منع من نسخ الكتاب بالسنة
* والجواب عنها]
وأما من ادعى أن السمع منع منه ؛ فإنه تعلق بأشياء :
أولها : قوله تعالى : ( وإذا بدلنا آية مكان آية ) (1) فبين تعالى أن تبديل الآية إنما يكون بالآية.
وثانيها : قوله تعالى : ( قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي ) (2) فنفي تبديله إلا بمثله.
وثالثها : قوله تعالى : ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ) (3) فجعله الله تعالى مبينا للقرآن ، والبيان ضد النسخ والإزالة.
Page 198