والقسم الآخر : يعلم زواله بدليل شرعي ، والنسخ يدخل في هذا الوجه خاصة.
وإذا تحصلت هذه الجملة ؛ فالواجب في العبارة أن تقع بحسبها ، فلك أن تحد النسخ بأنه ما دل على تغيير طريقة الحكم الثابت بالنص الأول في باب الاستمرار ؛ لأن ذكر الطريقة في الحد يبين أن التغيير لم يلحق نفس المراد ، وإنما يلحق الإيجاب ، وكان الدليل الثاني كشف عن تغير الإيجاب.
والدليل على الحقيقة هو الموصوف بأنه ناسخ ، وإذا وصفوه تعالى بأنه ناسخ للأحكام ؛ فمن حيث فعل تعالى ما هو نسخ. وإذا قيل في الحكم أنه ناسخ ؛ فمن حيث كان دليلا ، ولذلك لا يكون نسخا إلا مع المضادة. فأما المنسوخ ؛ فهو الدليل الذي تغير حكمه بالدليل الناسخ. وقد يوصف أيضا الحكم بذلك ؛ لأنه المقصود بالدلالة ولأنه هو الذي يتغير.
[في شرائط النسخ]
واعلم أن الناسخ والمنسوخ يجب أن يكونا شرعيين ، ولا يكونا عقليين ، ولا أحدهما ؛ لأنه لا يقال : «تحريم الخمر نسخ إباحتها» ولا : «أن الموت نسخ عن المكلف ما كان تكلفه» لما كانت هذه الأحكام عقلية.
ومن حق الناسخ أن يكون المراد به غير المراد بالمنسوخ ، وسيأتي بيان ذلك فيما بعد بمشية الله تعالى.
ومن حقه أن يكون منفصلا عن المنسوخ. ولا يوصف بهذه الصفة مع الاتصال ، ولا خلاف في ذلك.
ومن شرطه أن لا يكون موقتا بغاية يقتضي ارتفاع ذلك الحكم.
والموقت بغاية على ضربين :
Page 176