مرجو مستقبل ما تقدم مثله ، ويكون التماسه باطلا ، وقد سمى الله تعالى الإيصال إلى الثواب وإلى العقاب بأنه هداية إليهما ، فقال تعالى : ( والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم (4) سيهديهم ويصلح بالهم (5)) (1) ونحن نعلم أن الهداية التي تكون في الأخرة بعد انقطاع التكليف لا يليق إلا بالثواب وطريقه دون غيره.
وقال تعالى : ( فاهدوهم إلى صراط الجحيم ) (2) وقال عز من قائل في موضع آخر : ( ولا ليهديهم طريقا (168) إلا طريق جهنم ) (3).
وهذا كله يوضح ما ذكرناه ، من أن الهداية قد تكون إلى الثواب وإلى العقاب ، فسقطت الشبهة من كل وجه.
مسألة : فان قيل : فما الوجه في قوله تعالى : ( صراط الذين أنعمت عليهم ) وهو يعني المؤمنين لا محالة ، وليس هذا (4) يقتضي أن يكون منعما عليهم بالإيمان والدين ؛ لأنه لو أراد غير ذلك لما كان فيه تخصيص للمؤمنين من الكافرين الضالين ؛ لأن نعم الدنيا تشتمل الجميع ، وكذلك النعمة بالتكليف ، والتعريض شاملة للجميع ، فلم يبق ما يختص به المؤمنون إلا الإيمان ، وإذا كان منعما بالإيمان وجب أن يكون من فعله تعالى ؛ لأن المنعم لا يكون منعما إلا بما يفعله.
** الجواب :
قلنا : غير مسلم لكم أن المراد بالإنعام هاهنا الإيمان والدين ؛ لأنه تعالى قد ينعم على المؤمنين بأشياء يخصهم دون الكافر بالخواطر والبواعث السهلة الشارحة للصدور ، ولهذا قال تعالى : ( والذين اهتدوا زادهم هدى ) (5) فبين أنه قد خصهم لمكان هداهم وإيمانهم بما لم يعم به الكافرين.
ثم يجوز أن يريد بالنعمة هاهنا الثواب ؛ لأن الثواب من فعله ، وإذا كان إنما
Page 279