عاقل ونجمك آفل؟! وكيف تفتخر عليَّ، وأنت تفتقر إليَّ؟! طالما أيقظت من أغفلته، وأطلقت من قيدته وأعللته، وبيضت ما سودته من الصحائف، وبينت ما أخفيته من اللطائف، فقابلت الإحسان بالكفران، وعادلت العدل بالعدوان، فراقب الحق في سرك وعلانيتك، فإنه سبحانه مطلع على نيتك.
ولما سلب النهار بأساليب بيانه العقول، سكت الليل مليا ثم أنشأ يقول:
فعين الرضى عن كل عيب كليلةُ ... كما أن عين السخط تبُدي المساوئا
كيف أتصدى للكذب، وأتردَّى باللهو واللعب، وأنا المنعوت باللطف والظرف، والموسوم بالصمت وغض الطرف، كيف أورث الغرور، وأوثر الغفلة على الحضور، وأنا الداعي إلى ذكر الله وحده، والساعي في رد الكثرة الوهمية إلى عين الوحده، كيف أكفر بالعشير، ولو لم يقابل بالعشير، وأنا الموصوف بالستر الجميل، والمعروف بشكر المعروف والجميل، وهل أحجبُ البصر عن شهود عالم الكثافة، إلا لأكشف لعين البصيرة عن العالم اللطافة، وبذلك يتحقق العبد بفنائه عن وجوده، فيمده الرب تعالى بسر بقائه من خزائن جوده، فلو راعي النهار حقوق المجاورة، لما راعني بأسنة المناظرة والمحاورة، ومانَمَّ بسْره وباح، حتى بان محيا الصباح، فحمل على عسكر الدجى بعموده، فنثر من دررُ دراريه نظيم عقوده، ثم لاح في وجه الشرق
1 / 142