وبين القطبين الأعظمين تمت شرارة الالتحام الصاعقة.
صاعقة تزلزل لها بلاط الحجرة المربع، واصطكت نوافذها ولو استمرت أكثر لتهدم البيت كله.
المربع الرابع
وحين عادت إلى شقتها الكبيرة وجدتها صغيرة، وفي المرآة طالعها تعبير لم تره في وجهها منذ ثلاثين عاما.
وحين جاء يوم الجمعة فوجئ أولادها جميعا بالشيخة التي أرادوها، وقد تفجرت فيها دفقة حياة جعلتها تبدو أكثرهم حركة ونشاطا وطاقة على خلق المرح، وكأنها عادت شابة. - مش قلت لك؟ آدي بركات الست ظهرت!
والأعجب أنها كانت أول من استأذن، والحجة جاهزة، فالسيدة لا تستطيع الانتظار.
وأشياء كثيرة كانت تختل في الكون وفي الدنيا وفي نظام البشر، ولكن لم يحدث أبدا أن اختلت مواعيد زيارتها للسيدة، بعد أن تشبع بطونهم من الطعام وتغذيهم بحنان غريب وكأنه اندفاعة البترول في بئر مهجورة وترعاهم، وتغمرهم بأمومة أصبحت ربما أكثر من طاقتهم على الأخذ، تستأذن وتزور السيدة.
وفي كل مرة وبرهبة ترمق الضريح مبتعدة وتتمتم: دستورك يا سيدة. وكأنما أيضا توقف بها الزمن وفعل الزمن عند ذلك اليوم، ولم يتحرك إلا في يوم كانت على الدوام تحسب حسابه وتتوقع مجيئه، ولكن في الحق فاجأها حين جاء، وظلت في مكانها مشدوهة لا تريد أن تصدق أن اليد لم تعد هناك، وأنها لن تقودها هذه المرة إلى حجرة المربعات في الحنفي.
ثم حين تمضي الساعات ولا يجيء تبدأ تقدم رجلا وتؤخر رجلا إلى الدكان القائم غير بعيد عن الجامع والضريح.
ولكنها قبل أن تصله تتوقف.
Page inconnue