تمشي كمشيته- فرأته يتقلب في عبايته، وكرب الموت يتغشاه، وهو يقول: «الرفيق الأعلى» فبكت، وضمته إلى صدرها، وقالت: «واكرباه لكربك يا أبتاه». فقال: «لا كرب على أبيك بعد اليوم» ثم رحب بها، وأجلسها عن يمينه، وأسر إليها حديثا فضحكت، وقالت لما سئلت: «قال لي: إن جبرئيل كان يعارضني بالقرآن كل عام مرة، وأنه عارضني به العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي، وإنك أول أهلي لحوقا بي، ونعم السلف أنا لك». فبكيت لفراقه، ثم قال: «ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة، أو نساء المؤمنين» فضحكت (1).
وقال: «ادعوا لي خليلي» فجاء علي (عليه السلام)، فاعتنقه وساره في أذنه. ثم استدعا الحسن والحسين، وقال: «إني استودعتكم الله وصالح المؤمنين». فقالت فاطمة: «يا رسول الله هذان ولداك فورثهما شيئا». فقال: «أما الحسن فله سؤددي، وأما الحسين فله جرأتي وجودي » (2).
وفي رواية: قال لعلي قبل موته بثلاثة أيام: «السلام عليك أبا الريحانتين، أوصيك بريحانتي من الدنيا، فعن قليل ينهد ركناك، والله خليفتي عليك» فلما قبض قال: هذا أحد ركني، ولما قبضت فاطمة الزهراء قال: هذا الركن الثاني (3).
«وإذا غسلتموني وكفنتموني فضعوني على سريري في بيتي هذا، على شفير قبري، ثم اخرجوا عني ساعة، فإن أول من يصلي علي إلهي، ثم الملائكة بأسرها، ثم ادخلوا فوجا فوجا حتى النساء، فصلوا علي وسلموا تسليما، ولا تؤذوني بتزكية، ولا ضجة، ولا رنة، واقرأوا مني السلام على من حضر وغاب من المسلمين، ومن دخل في ديني إلى يوم الدين».
وصلي عليه فرادى بغير إمام، واختلف الناس في موته، فقال عمر: لئن سمعت
Page 43