Le prophète Moïse et les derniers jours de Tell el-Amarna (première partie): Encyclopédie historique, géographique, ethnique et religieuse
النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة (الجزء الأول): موسوعة تاريخية جغرافية إثنية دينية
Genres
ومشكلة أخرى تظهر عندما تبدأ في علاج علاقة الإسرائيليين بالفلسطينيين، فعلم التاريخ الرصين يؤكد لنا أن شعبا جديدا باسم البلست أو البلستي، جاء بسفنه البحرية المسلحة من الجزر اليونانية يهاجم مصر، زمن رمسيس الثالث 1182-1151ق.م. لكننا نجد هذا الشعب في ذات الزمن، يقيم على سواحل فلسطين! والحل ببساطة عند أهل التاريخ، أنه بعد أن هزمهم رمسيس الثالث سمح لهم بالإقامة على سواحل كنعان، التي كانت تابعة لمصر حينذاك، ومن ثم أعطوها اسمهم فأصبحت فلسطين؟! هكذا بكل يسر وسهولة تم حل المشكلة! لكن الصارخ في المسألة أن الإسرائيليين - حسب الكتاب المقدس - عندما خرجوا من مصر كان الفلسطينيون مستقرين في ممالك كبرى، وهذا قبل أن يصلوها زمن رمسيس الثالث (؟!) بحسبان الخروج قد تم زمن مرنبتاح ابن رمسيس الثاني، أو ربما قبله في مدارس أخرى؟
والأكثر إدهاشا أن نجد التوراة نفسها، تأتي بالقبيلة العبرية في تاريخها القديم من «أور الكلدانيين» - قبل دخول مصر والخروج منها بزمان - إلى أرض كنعان كقبيلة هامشية غريبة على البلاد، وتصف التوراة هذه البلاد بأنها «أرض الفلسطينيين» قبل وصول الفلسطينيين إليها، زمن رمسيس الثالث بحوالي خمسة قرون كاملة حسبما يقرر أهل التاريخ؟!
المصيبة هنا أن «كل هذه المتضاربات الصارخة، التي ضربناها مثلا كانت خلال الفترة الزمنية، وفي المساحة الجغرافية التي يعالجها كتابنا هذا». ومن هنا كان لا بد من إعادة قراءة ذلك الرتل المختل مرة أخرى، قراءة تضبط أحداثه وفق منهج علمي صارم ودقيق، وإذا وجد القارئ بعض التضارب أحيانا في المادة التاريخية، فله أن يستميح لي العذر، وأنني قد حملت عنه عبء إعادة الترتيب والضبط، ويبقى كتابي هذا شاهدا على مدى تساهل أهل التاريخ، ومدى قيمة ما يتم تدريسه في جامعاتنا، بل وفي جامعات العالم دون الشعور بأي خلل.
هذا ما كان عن المصدر الأول لهذا العمل، أما المصدر الثاني والذي لا يقل أهمية وخطورة، فهو الكتاب المقدس
Bibel
العهد القديم، المصطلح على تسميته بالتوراة (تجاوزا)؛ لأن التوراة لا تشكل فيه غير الأسفار الخمسة الأولى فقط، وبعضهم يضيف إليها السفر السادس «يشوع»، وهنا سنستخدم الكلمات الثلاث على التبادل: العهد القديم/التوراة/الكتاب المقدس، في هذا العمل، للدلالة على ذلك الكتاب الهائل والضخم، وهو إضافة إلى كونه كان كتابا مقدسا لدين بعينه، فإنه أيضا عمل أدبي رائع لأساليب تعبير ذلك الزمان، إضافة إلى - وهنا الأهم - «أنه كتاب في التاريخ في المقام الأول»، وكتابنا هذا يثبت لك مدى صدق هذا التقرير «أن العهد القديم كتاب في التاريخ»، بل إن هذا الكتاب عندما تعاملنا معه، ألقى أضواء على مناطق كانت شديدة الظلمة في تاريخ المنطقة القديم، وملأ فراغات وثقوبا في علم التاريخ، لكن المشكلة أنك عند التعامل مع هذا المصدر، ستواجه متاعب أخرى ومن نوع آخر، فليس هناك أولا إجماع على قيمة التوراة كوثيقة تاريخية؛ لما شابها على أيدي المحررين من نزوات ومبالغات وحشو وإضافات وأساطير تغشت كل أسفارها، بحيث أصبح علينا أن نثبت مدى الصدق ومدى الباطل ومواضعهما في التوراة عند المعالجة، كي نطمئن إلى ما بقي بأيدينا من هذا المأثور الهائل، يمكن أن يكون واقعة تاريخية، فالوثيقة التوراتية تحمل بصمات التاريخ، يمتد بزمن كتابتها الذي استغرق حوالي 1500 سنة متصلة، تعرضت أثناءها للمعالجة وإعادة التحرير عدة مرات من محررين أغلبهم مجهول، لكنها من جانب آخر تشكل حقلا رائعا وثريا، لمن يريد إعمال المنهج العلمي للخروج منها، بما يمكن تسميته حقائق تاريخية.
لذلك مهدنا لعملنا بالجزء الأول المعنون ب «تمهيد تاريخي»، بعرض أهم أدوات وأساليب التعامل مع هذا المأثور، بحيث يمكننا بعد العرض النقدي، تقديم شهاداته كشهادات تاريخية، ونحن أكثر اطمئنانا لتلك الشهادات، لكن ضمن ذلك المأثور تقع مجموعة من الأساطير، احتاجت منا تضفير تفسيرها وفض دلالاتها، ومعرفة الغرض من وراء دسها وسط السرد التاريخي ضمن مجموع العمل، ومحاولة فهم ما حدث بعيدا عن منطق الأسطورة والمعجزة، فحاولنا العثور على إجابات واضحة لمسألة العصا الثعبانية، وفلق البحر، والعليقة المشتعلة بنار لا تحرق، هذا إضافة إلى أسئلة أخرى تأسيسية، حاولنا الإجابة عليها وهي: لماذا يتمسك اليهود بلحظتين تاريخيتين أساسيتين، كلتاهما تتعلق بمصر تحديدا؛ لحظة العهد مع الله بالختان، والختان شرعة مصرية أساسا، ولحظة عبور البحر من مصر إلى سيناء، وهو ما يجرنا إلى مناقشة كل لحظة تماس في علاقة الشعب الإسرائيلي بمصر، منذ نزول إبراهيم إليها ومن بعده يوسف والأسباط، حتى ميلاد موسى وخروجهم منها، حسبما وردنا من روايات التوراة، أما الأهم فهو أين كان العرب من كل تلك الأحداث؟
أما «موسى» فهو المبحث الأول والغرض النهائي، ويشكل البحث وراءه الجزء الثالث والجزء الرابع في هذا العمل، لكن ما يجب هنا التأكيد عليه وإعلانه واضحا، أنه رغم وجود بعض أوجه الشبه في تفاصيل قصة موسى بين التوراة والقرآن، فإن أوجه الخلاف بدورها كبيرة، سواء في الرؤية العامة لمفهوم الألوهية أو النبوة، مع خلافات أساسية حول بعض التفاصيل والدقائق، وهو ما يجعل من موسى التوراتي شخصا آخر، يختلف اختلافا بينا وحادا عن موسى القرآني، ومن هنا نقول بل ونعلن أن بحثنا هذا، يتناول شخص النبي موسى كما ورد بالتوراة وبقية العهد القديم فقط، «ولا علاقة لبحثنا بشخص النبي الجليل موسى الكليم عليه أفضل الصلوات وأزكى السلام»، لا من بعيد ولا من قريب، وإذا وجد القارئ متناثرات نادرة عن النبي موسى كما هو في الإسلام، فإن ذلك قد جاء على سبيل الاستضاءة ليس إلا، ولا يعني أننا نتحدث عن موسى كما هو في الإسلام.
توطئة
لعل هذا التنويه جدير بذكاء قارئنا، الذي لا ريب يعلم ما تعرضنا له مؤخرا، من إرهاب فكري ومصادرة لكتابنا رب الزمان، والذي صحبته رحلة قاسية بين أروقة المباحث المصرية ونيابة أمن الدولة، والقضاء ورهاب قفص الاتهام، واحتمالات الاعتقال أو القتل. ورغم أن العقبى كانت لنا بعد معركة فكرية، أصررنا فيها على عدم التراجع عن كلمة قلناها، لا بالتصريح ولا بالتلميح ولا بالتأويل، فإن المناخ السائد في مصر الآن، الذي يشبه من جوانب كثيرة «طالبان الأفغانية»، يفرض علينا ذلك التنويه وهذا التنبيه الواضح الفصيح، أكرر لا علاقة البتة بين دراستنا هنا حول موسى التوراتي، وبين النبي موسى كما جاء في الإسلام، بل قصدنا بالعمد قصدا قصر الدراسة على موسى التوراتي، بفرض أنه كان شخصا حقيقيا تاريخيا وليس مجرد أسطورة، «لنرى إلى أين يمكن أن يصل بنا البحث، حسب معطيات التوراة وعلوم التاريخ».
Page inconnue