Le prophète Moïse et les derniers jours de Tell el-Amarna (première partie): Encyclopédie historique, géographique, ethnique et religieuse
النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة (الجزء الأول): موسوعة تاريخية جغرافية إثنية دينية
Genres
مدينة العاشر، في 5 / 10 / 2010م، مصر
مقدمة الطبعة الأولى
هذا العمل الذي بين يديك الآن، هو خلاصة جهد استمر عشر سنوات أو يزيد، بدأ العمل فيه عام 1987م، وتوقف أكثر من مرة، لكن مجموع تلك الوقفات لم يزد بحال عن مدة سنتين أنجزت خلالها كتاب حروب دولة الرسول، وكتاب إسرائيل، وكتاب رب الزمان، ولم يستغرق أي من هذه الأعمال سوى بضعة شهور، كنت أعود بعدها إلى موسى مرة أخرى، بعد أن تتراكم مادة علمية جديدة، تدفعنا إلى البدء من البداية مرة أخرى، مرات كانت تصل بنا الفروض إلى طرق مغلقة، فنعود نضع فرضا جديدا، لنلهث وراء ما يدعمه شهورا لنكتشف مرة أخرى، أننا دخلنا متاهة، فنعود نضع علامات على الطريق المحتمل، لكن لنكتشف خللا جديدا، وفي كل مرة كان رجال علم التاريخ وراء تلك المشقة التي كادت تصبح مكابدة لا تنتهي. وما أكثر تناقضات أهل التاريخ، التي تصل أحيانا إلى حد التضارب الكامل إزاء الموضوع الواحد، ومن ثم يصبح من الرعونة بمكان، إقامة أي بناء علمي على أسس تاريخية، دون فحص دقيق ومراجعة تامة لتلك الأسس، وضبطها ضبطا كاملا، وإلا وصل الباحث إلى نتائج شديدة الضلال والبطلان؛ لأن أسس التاريخ نفسه كعلم وهي مادته، يختلف بشأنها أصحاب هذا العلم، بحيث لا يمكنك القطع في أي لحظة مع علم التاريخ، أن ما تقرؤه حقيقة وقعت في الزمن المنسوبة إليه أم بناء افتراضي؟ وما هي مساحة الصدق التاريخي فيه، وما هي المساحة التي سمح المؤرخ بها لنفسه بالتدخل في الوقائع وإعادة بنائها تصوريا؟ ناهيك عن بعض المؤرخين ذوي الأسماء الكبيرة - كما سنرى في بحثنا - قد قاموا بتفسير النص التاريخي على هوى البناء الذي يريدون، بل وصل ببعضهم حد التساهل - وهي كلمة سهلة - إلى حد أنه لم يجد بأسا في إبدال لفظة بلفظة أخرى، تناسب مراده في النص التاريخي الأصلي.
أضرب لك مثلا بسيطا للتوضيح، رأى أحد المؤرخين بحساباته أن الإسرائيليين، كانوا موجودين في مصر زمن رعمسيس الثاني، ووجد نصا من زمن رمسيس الثاني يتحدث عن العابيرو، الذين ينقلون الأحجار لبناء «معبد الشمس الذي توجهت إليه عناية شمس البلاد رمسيس الثاني»، هنا وببساطة يقوم السيد المؤرخ بترجمة العابيرو إلى «الإسرائيليين»، رغم أن الخلاف حول: من هم العابيرو؟ وهل هم العبريون؟ بل وهل العبريون هم فعلا بنو إسرائيل؟ مشاكل لم تحل بعد، وتتضارب بشأنها مدارس المؤرخين شتى.
ومع ذلك وضع الرجل نظريته في خروج الإسرائيليين من مصر على مثل تلك الفروض المختلف عليها.
مثال آخر: يختلف أصحاب علم المصريات الكبار، حول تعيين موضع مدينة كبرى أنشأها الفرعون، عاشق المعمار رعمسيس الثاني باسمه «رعمسيس»، وتعود أهمية هذه المدينة، لكونها المدينة التي ذكرتها التوراة كمدينة للاضطهاد الإسرائيلي في مصر، عندما تم تسخيرهم في بنائها، وكلما تم العثور في حفائر مصرية على أثر باسم رعمسيس الثاني، قام أصحابه يهللون: لقد وجدنا مدينة رعمسيس المفقودة؟! الكارثة تبدأ عندما تحاول أن تعتمد مصادر التاريخ لبحثك في ميدانك الجديد، فمن الطبيعي أن تكون ضمن المطاليب المعرفية، لقارئ كتاب بعنوان النبي موسى، معارف من قبيل: أين تم استعباد الإسرائيليين بمصر؟ هنا يقف عالم عظيم مثل «السير آلن هنري جاردنر»، ليقول لك: إن مدينة رعمسيس هي الفرما الآن على البحر المتوسط شرقي بورسعيد الحالية. ليردف عالم حجة في المصريات هو «بيير مونتييه» ليقول لك: إن مدينة رعمسيس هي «صان الحجر» الآن جنوبي بحيرة المنزلة. لكن ليقف عالم المصريات «محمود حمزة»، معلنا كشفه لآثار كبرى لرعمسيس الثاني، في مدينة قنتير قرب فاقوس بالشرقية، وأن هنا تقع مدينة رعمسيس، ويذهب رابع إلى تل رطابة بوادي طميلات، وخامس إلى مدينة المسخوطة، وسادس إلى صفط الحنة، وسابع ...
هذا بشأن مدينة واحدة فقط اسمها رعمسيس (!) وأين تقع؟ فهل بعد ذلك يصر باحث ليس فقط على العثور على مدينة رعمسيس، بل وعلى تحديد مواضع المدن التي ذكرتها التوراة مجاورة لها؟ نعم لقد أصررنا وأظننا نجحنا، لكن بعد إعادة قراءة شاملة لتاريخ مصر في علاقاتها بجيرانها، «أعادت تنظيم التاريخ مرة أخرى، وفق نظرية جديدة» هي التي يقوم عليها هذا العمل جميعه، واعتبرناها عمودا تأسيسيا ننطلق منه لبحث موضوع النبي موسى على أرض تاريخية أقرب إلى واقع أحداث زمانها، ولحظة وصلنا إلى أسس نظريتنا، لم نفعل بعد ذلك شيئا، سوى سحب طرف الخيط، الذي أصبح مستقيما سهلا، بعد أن كان شرنقة من الخيوط المتشابكة، وقد استغرق هذا التأسيس الجزء الثاني بكامله، لكنه التأسيس الخراساني للعمل كله.
وكان هذا التأسيس بهدف إعادة ترتيب للمادة التاريخية المتضاربة، وإعادة صياغتها من جديد، وفق كشوف جديدة تماما.
لذلك أعتبر من جانبي شخصيا، أن التأسيس هو المعبر الصادق والحقيقي، على مدى ما بذل في هذا الكتاب من جهد.
والنموذج الصارخ بصدد تضارب علم التاريخ، أنك ستجد بشأن الهكسوس الذين احتلوا مصر القديمة في نهاية الدولة الوسطى رأيين أبدا لا يلتقيان، فهناك فريق يأتي بهم من جزيرة العرب (السعودية الحالية واليمن)، وفريق آخر يأتي بهم من البراري والسهوب الآسيوية الوسطى، وهو ما يعني مفارقة كبرى؛ لأن سكان جزيرة العرب ساميون وسكان براري آسيا عند قزوين وأرارات من الجنس الهندوآري، وهو أيضا ما يعني أنه لم يتم حتى الآن الاتفاق حول جنس الهكسوس، والمشكلة تظهر عندما تريد تحقيق حدث يتعلق ببني إسرائيل، زمن الهكسوس، هنا لن تتمكن من بناء بحثي سليم، إلا بعد تحديد هوية العنصر الهكسوسي، لما بين الشعبين الهكسوسي والإسرائيلي من وشائج اتصال، كان أول من أشار إليها المؤرخ الكلاسيكي يوسفيوس فلافيوس.
Page inconnue