Le prophète Moïse et les derniers jours de Tell el-Amarna (première partie): Encyclopédie historique, géographique, ethnique et religieuse
النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة (الجزء الأول): موسوعة تاريخية جغرافية إثنية دينية
Genres
والمنطق التاريخي أيضا يجب أن يفترض وجود معارك تنافسية حول المصالح والسيادات بين دولتين، تنشآن في زمن واحد حيث يعود تاريخ نصب بن حدد إلى السنوات الأخيرة من حكم آسا. ويصدق هنا المحرر التوراتي ويثبت أن التوراة ليس كتابا للتلاوة الدينية والعظة الحكمية فقط، إنما هو أيضا مصدر تاريخي هام ووثيقة عالية القيمة، رغم ما يشوبها طوال الوقت من تدخلات المحرر، بما لديه من أوهام وأخيله وعواطف، وطموحات قادته إلى تمجيد ملوك إسرائيل تمجيدا عظيما، يتناقض مع معلومات أخرى بذات المواضع بالكتاب المقدس، تشير إلى ضعف شديد ووهن كان سمة لتلك المملكة وملوكها، كذلك لا يعرف علم التاريخ عظيما باسم داود فتح ممالك وهزم شعوبا، ولا ملكا كونيا وحكيما حاز شهرة فلكية باسم سليمان، وكثيرا ما حير هذا الأمر العلماء والباحثين فلا آثار مصر ولا العراق ولا تركيا ولا الشام ولا فلسطين ذاتها، تنطق ببنت شفة في هذا الأمر، بينما تقرر رواية سفري صموئيل الأول والثاني وسفر الملوك الأول، أن داود قد أقام إمبراطورية تمتد من النيل إلى الفرات، وعليها قامت أحلام إسرائيلية كبرى في قرننا هذا، تطلب عودة الإمبراطورية الكبرى، بحسبانها أمرا ربانيا وقرارا إلهيا، وتقول رواية هذه الأسفار إن تلك الإمبراطورية الكبرى قد ورثها سليمان عن أبيه داود بعد موته، لكن رغم الهوس الأركيولوجي في دولة إسرائيل اليوم، والذي دفع إلى نبش الأرض في كل موضع محتمل للعثور على ما يؤيد هذه الرواية، فإن كل ذلك لم يفض إلى العثور على أي أثر مباشر أو حتى غير مباشر، يشير إلى إمبراطورية داود وولده سليمان.
وكل ما يمكن قوله - بفرض وجود شخص اسمه داود - أنه ربما كان واحدا من الملوك الصغار تمكن من رئاسة تحالف القبائل الإسرائيلية، التي كانت تسكن فلسطين آنذاك، وفقط في مناطق الهضاب؛ لأن المسح الأثري لم يكشف أي وجود لبني إسرائيل لا على الساحل الفلسطيني ولا شمالي فلسطين عند الجليل، ولا في صحراء النقب جنوبا، فقط ربما امتد هذا التواجد بالمواقع الجبلية الوسطى الممتدة من دان (تل القاضي الآن شمالا) حتى بئر سبع جنوبا.
وقد تمكن أحمد عثمان بحق من اكتشاف مميز، حيث قام بعقد مقارنات، انتهى منها إلى أن محرري العهد القديم في بابل إبان القرن السادس قبل الميلاد، قد علموا بقصة الفرعون الفاتح العظيم تحتمس الثالث، التي كانت تتواتر حتى ذلك الزمن بحسبانه بطلا تاريخيا كبيرا، وأنه أقام إمبراطورية كبرى تمتد من النيل إلى الفرات، ولا زالت قصة فتوحاته كأكبر فتوحات، تمت في العالم القديم حتى زمانه، مدونة على جدران معبد الأقصر. ويرى عثمان أن الإسرائيليين قد بهرتهم تلك البطولات والأمجاد، ولما كانوا طوال الوقت يعلنون ارتباطهم الوثيق بمصر، فلم يجدوا بأسا في «استعارة تلك القصة البطولية من المأثور المصري، وإدخالها كما هي دون تعديلات واسعة في وسط قصتهم الرئيسية عن داود».
والمتابع للقصة بالعهد القديم يجد أن داود كان معه، جيشا مكونا فقط من 600 مسلح من رجال العصابات المرتزقة، وأنه دخل بهم معارك مع بني جلدته الإسرائيليين ومع الفلسطينيين، ثم فجأة تجد تفاصيل معركة كبرى، وتتحول العصابة المأجورة إلى جيش عظيم، يخوض معارك عظمى عند قلاع محصنة متعددة في بلاد الشام، ويرى عثمان أن سفر صموئيل الثاني تحديدا يحتوي على إصحاحين هما رقم 8 ورقم 10 «مقتبسان بالكامل من قصة حروب تحتمس الثالث الفاتح الأعظم»، كذلك يرى أن الإصحاح الخامس يحوي جزءا آخر من القصة المصرية، وهو المتعلق باستيلاء داود على مدينة القدس، التي كانت ترديدا لدخول تحتمس الثالث المظفر أورشليم.
4
ولو حذفنا من قصة داود المستعار المصري، لاقتصرت الرواية على صراع داود مع شاول، ثم مع ابنه، ثم مع شبع بكري من قبيلة بنيامين، وكان صراعا على العرش وليس أكثر من ذلك، فكان داود بهذا الرأي مشغولا طوال الوقت، بخلافات العائلة والثوار الذين ثاروا عليه.
هذا ناهيك عن كون ظروف بني إسرائيل، حسبما وردتنا بالعهد القديم، تتناقض تناقضا شديدا مع مسألة الإمبراطورية والتوسع والفتوحات، فهم يظهرون في حالة دائمة من الدفاع عن وجودهم إزاء الفلسطينيين، وهي حالة تتناقض مع استعارات، كتلك التي تقول إن داود ضرب حدد عزر، وذهب يرد سلطته عند نهر الفرات، بينما «لا نجد قبل كورش الفارسي، أي ذكر لأي ملك من ملوك العالم القديم، تمكن من مد حدوده ما بين النيل والفرات، سوى تحتمس الثالث».
5
ويرى عثمان أن محرري التوراة، قد اختاروا قصة تحتمس الثالث، لنسبتها إلى داود لأسباب أهمها: أولا أن تحتمس الثالث كان أول من أقام إمبراطورية تشمل العالم القديم المعروف في زمانه، وثانيا أن اسمه «تحوت-موسى» يتطابق في شقه الأول «تحوت» مع اسم «داود»، وفي رأينا يجب نطق «تحوت» الإله المصري «ضحوت» أو «ضحوض» وهو الأقرب، ويتطابق مع اسم «داود» تماما والحاء تسقط بالتخفيف والإهمال، وسنقدم في الفصول المقبلة الكثير عن هذا الإله، وثالثا، أن تحتمس الثالث هو الفرعون، الذي دخل إبراهيم في زمنه إلى مصر، وهو الذي تزوج من سارة،
6 «وهنا نختلف مع عثمان، ونتباعد تماما عن بقية ما يقوله حتى النهاية.»
Page inconnue