Le Prophète Ibrahim et l'histoire inconnue
النبي إبراهيم والتاريخ المجهول
Genres
ولما لم يكن في التوراة أية إشارة تدفع إلى مثل هذه الاستنتاجات، فمن الواضح هنا أن «ماير» قد تأثر بالروايات الإسلامية حول مخالفة الابن لأبيه في العقيدة، وهو ما لا يمكن الخروج به من التوراة إطلاقا، حتى ولو من باب التأويل.
إن هؤلاء المرتحلين قد خرجوا من مكان أسمته التوراة «أور الكلدانيين»، دون أن توضح سببا عقديا، أو حتى خلافا فقهيا، أو سياسيا لخروجهم من هذا المكان الحضاري العريق. فقط تذكر التوراة أن هدف المرتحلين كان أرض كنعان - المفترض أنها فلسطين الحالية - والتي تواتر وصفها في التوراة بأنها «أرض اللبن والعسل»؛ مما يشير إلى أن هدف الرحلة كان الوصول إلى أرض أكثر خيرا وفيئا. ولعل أول خلاف نلحظه بين هذه الرواية التوراتية وبين الرواية القرآنية، هو أن القرآن الكريم يذكر أبا إبراهيم بالاسم «آزر»، فالآيات تقول:
وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة (الأنعام: 74)، والخلاف هنا ليس فقط حول الاسم «تارح/آزر»، إنما هو خلاف عقدي أيضا، حيث تفهمنا الآيات أن الابن كان يخالف الأب في معتقده، وأن هذا الأب كان يعبد نوعا من التماثيل الإلهية، وهو ما لم تشر إليه التوراة بالمرة، بل ولم تشعرنا أنه كان ثمة خلاف بين الأب والابن من أي نوع. وكل ما توحي به أسفار تلك الحقبة، أن الابن إنما كان على سنة الأب والعشيرة يسير، وأن الأب كان القائد والموجه. وإذا لجأنا إلى كتب التراث الإسلامية نستنطقها القول حول هذا الخلاف، نجدها تؤكد أن أبا إبراهيم كان مقربا من الطاغية، الملك الكافر نمروذ، وأن هذا الأب كان صانعا للتماثيل الإلهية، بارعا في فنها، مما أدي إلى خلاف شديد بين الابن الذي يرفض عبادة التماثيل وما تمثله، وبين الأب الذي يعتقد فيها، ويتقوت من صناعتها وترتقي مراتبه الاجتماعية بقربها. أما الخلاف الثاني المتعلق باسم أبي إبراهيم، فإن معظم التراثيين يسيرون خلف رواية التوراة سيرا دقيقا، ويتابعونها متابعة عجيبة في غالب أمرها، حتى لا تكاد تجد خلافا إلا في الروايات التي انفرد بها القرآن الكريم دون التوراة، فعلى سبيل المثال يؤكد «ابن حبيب» في محبره: أن تارح هو آزر دون أية مناقشة أو اعتراض.
2
وابن حبيب إنما يسير في هذا الشأن على درب سلكه أصحابه من أهل التراث، فابن كثير بدوره يكاد يطابق الكثير من دقائق التوراة، وإن اختلفت بعض «الحروف» بين يديه، كنتيجة لما تتمتع به اللغات السامية من تبادل الحروف ذات المخارج الواحدة في النطق، إضافة لعدم وجود التشكيل والتنقيط في الكتابات القديمة، مع ظاهرة القلب اللساني (كما في زوج وجوز مثلا)، وفي قصة ابن كثير عن النبي إبراهيم شجرة نسب تطابق تماما شجرة النسب الإبراهيمية في التوراة، مع الاختلافات الحرفية المشار إلى بعض أسبابها، فيقول: إن إبراهيم هو ابن تسارخ (تارح في التوراة) بن ناحور بن ساروغ (سروج في التوراة) بن راعو (رعو في التوراة) بن شالح بن أرفخشد (أرفكشاد في التوراة) بن سام بن نوح.
لكن ابن كثير يرسل قوله الواعي الحذر «وهذا نص أهل الكتاب»؛ ليلقي بالمسئولية على أصحاب التوراة، متخلصا من تبعاتها بمهارة هادئة، وفي الآن ذاته يثبت تحليه بالأمانة.
3
ولا تفوت «ابن كثير» مسألة «آزر» و«تارح»، فيتناولها - بذات الحذر - ويحيلها إلى «ابن جرير» محملا إياه خطل الرأي من صحته، فيقول: «وقال «ابن جرير»: الصواب أن اسمه آزر، ولعل له اسمان علمان، أو أحدهما لقب، والآخر علم».
4
وفي معنى كلمة «آزر» ذهب «البيضاوي» إلى أنها اسم وصفي، بمعنى: القوي أو العضد أو المعين، أما الاسم العلمي فهو «تارح».
Page inconnue