Muyassar Fi Haya
الميسر في حياة الخلفاء الراشدين
هكذا وصلت الأخبار إلى الشام، وهذا ما علمه معاوية والي البلاد، وإن كانت هذه الأمور صحيحة، إلا أن روايتها كانت بأسلوب يحتم على معاوية التريث بإرسال البيعة إضافة إلى ما يجد في نفسه، وما يراه في المجتمع من حزن على الخليفة المقتول. وتتوالى الأخبار على الشام بأن عددا من رجالات الأمة قد اجتمعوا في مكة والتجؤوا إليها يعتزلون الفتنة، أو يعترضون على تصرفات الغوغائيين في المدينة. ويرسل علي بن أبي طالب الخليفة الراشدي الجديد عماله إلى الأمصار ويرسل فيمن يرسل سهل بن حنيف إلى الشام ليتولى أمرها، ويعزل معاوية، ويرد الوالي الجديد من حدود بلاد الشام، ويبقى معاوية في حاضرته ينتظر ما يؤول إليه الأمر، ثم تصل إليه أخبار جديدة بأن عددا قد خرج من مكة إلى البصرة معارضين للخليفة في المدينة، على رأسهم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وطلحة، والزبير، إذن يفهم من هذه الأخبار أن الأمر لم يستقر لعلي بعد ولا بد من الانتظار في البيعة، وانتظر، وانتظر معه مجتمع الشام. وحدثت أحداث البصرة التي ذكرنا ووقعت معركة الجمل وتأسف المسلمون لما تم، وكل هذا جعل عامل الشام معاوية بن أبي سفيان ينتظر في إعطاء البيعة للخليفة الجديد، وهذا ما رآه، ورآه معه عدد من الناس، ويعد اجتهادا.
أما أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فيرى غير ذلك، إذ ينظر إلى معاوية على أنه عامل للخليفة، إن طلب منه ترك العمل تخلى، وإن طلب منه الاستمرار تابع، فهو تبع وليس بمجتهد في هذا الأمر، والوالي ليس عليه إلا أن يبايع هو وأهل مصره إذا بايع أهل المدينة وقد بايعوا فلماذا هذا التواني ؟ فهل أصبح من أهل الشورى ليؤخذ رأيه في البيعة أم لا ؟ وقد عزله الخليفة فعليه الامتثال، هذه نظرة علي إلى معاوية، وهي صحيحة، أما بالنسبة إلى الأوصاع فيرى أنها غير مستقرة والمنحرفون لا يزالون في المدينة فيجب الانتهاء من البيعة، وطمأنينة الناس، فمتى تم هذا يصرفوا إلى أمصارهم، فيتوزع أمرهم، ويضعف شأنهم.
Page 82