وفي يوم السبت قالت لعمتها: أريد أن نسافر اليوم، فأعدي معدات الرحيل.
ولكنها قبل أن تخرج إلى المركبة الواقفة عند الباب للسفر دخل بوفور فوجف قلبها، ووقف بوفور أمامها، وقد كاد أن يتلعثم لسانه وقال لها: ماذا تفعلين، أتهربين مني؟
فلم تعلم كيف تفعل، وحاولت الرجوع إلى الحديقة، ولكنه استوقفها وقال لها بلهجة جافية: إنك حنثت بوعدك، وصار يحق لي أن أسألك لماذا تهربين مني؟
فتدخلت عمتها عند ذلك وقد أشفقت عليها، فقالت له: كلا، إننا لا نسافر اليوم، وثق بما أقول.
فجال الدمع في عيني بوفور، وقال: لماذا لا تفتحين لي قلبك يا مرسلين؟
قالت: لقد أصبت فعد إلي في الغد يا بيير؛ فإنك إذا عدت علمت أنك تحبني بالرغم عن كل الموانع.
وكتبت إليه تاريخ حياتها وكيف كانت زلتها، بكتاب طويل، فلم تكتم عنه شيئا من أمرها، ثم وضعت الكتاب في غلاف وعنونته، ونهضت به كي تدفعه إلى الخادمة فتوصله إليه.
وعند ذلك ارتعشت؛ ليس لأنها ترددت في إرسال الكتاب؛ فإن عزيمتها قد صحت هذه المرة على إرساله، ولكنها سمعت صوت رجل يغني في الشارع وعلمت أنه صوت كلوكلو، ذلك الجندي القديم الذي كان في خدمة أبيها، فأسرعت إلى مناداته، وقالت له: إنك تحب أبي وأنت مخلص لي أليس كذلك؟ - إني أقطع ذراعي الثانية في سبيل خدمتك. - إذن إني أعهد إليك بإيصال هذا الكتاب إلى الموسيو بيير بوفور المقيم في فندق جنيف، على أن تسلمه إليه يدا بيد.
فأخذ الكتاب وانحنى مسلما وانصرف.
وقد أقامت يومها تتجاذبها الهواجس والهموم، وسألتها عمتها عما فعلت، فأخبرتها بكل ما كتبته، وقالت لها: ماذا ترين يا عمتي، أتحسبين أنه يعود؟
Page inconnue