فأراد جان أن يعترض، ولكن الكونت أسرع إلى القول: نعم، إن من كان مثلك محبوبا لا يكترث للمال، ولكن لا بد من إطلاعك على حقيقة حالي فاسمع.
إنك لو كنت من الأغنياء يا بني لكان مستقبل بنتي مضمونا ونظرت إليه باطمئنان، ولكنك فقير لنكد الطالع، ومرسلين لا تمتلك شيئا، وإنك ستصير بمثابة ولدي، فلا يجمل بي أن أكتمك شيئا من أمري.
فتبين الاضطراب في وجه جان، وعاد الكونت إلى الحديث فقال: كانت ثروتي منذ بضعة أيام مؤلفة من أربع مزارع كبرى، ومن هذا القصر الذي أقيم فيه، وبعض العقارات، وهي خير مزارع هذه البلاد كما تعلم، فاشتغلت منذ بضعة أيام في البورصة مع بعض أصحابي، ونحن نتوهم أننا رابحون، فخسرت نصف ثروتي صفقة واحدة، ثم خسرت بعد ذلك ثلاثمائة ألف فرنك لم أدفعها بعد، ولكن دين للبورصة دين شرف لا بد من وفائه، فلا بد لي من بيع بقية مزارعي للسداد، وبحيث لا يبقى لي غير قصري والمزرعة المحدقة به، وهو ما لا يكاد يكفي للقيام بأودي.
وهذه هي حالتي، نعم، إنها لا تؤثر على حبك ولكن لا بد من إظهارها لتكون واقفا على الحقيقة؛ فإني منذ عشرة أيام كنت أستطيع أن أمهر بنتي بمائتي ألف فرنك، أما اليوم فإنك ستتزوجها من غير مهر وا أسفاه.
وقد نهض الكونت وجعل يمشي ذهابا وإيابا في الغرفة، وأطرق جان، فمضت دقيقة حسبتها مرسلين دهرا وهي تقول في نفسها: رباه، ألعله يتردد؟
إلى أن أجاب جان فقال: لقد أصبت فيما قلته؛ فإن خسارتك لثروتك لا تؤثر في شيء على مقاصدي، فإني لا أحب مرسلين لثروتها.
فصافحه الكونت وقال: أحسنت يا جان فهذه مناهج الأشراف.
فقال جان: على أن إفلاسك نكبة لا يمكن أن تؤثر علي؛ لأني فقير لا أستطيع أن أقوم بكل ما تحتاج إليه مرسلين، ولا سيما أنها ربيت في أكناف النعمة وتعودت من النفقات ما لا طاقة لي عليه؛ ولذلك أخاف أن يؤثر عليها هذا التغيير، فإذا رضيت بحالتي الحاضرة فلست أنا الذي يأبى. - اطمئن يا بني فإن ابنتي لم تتعود عيش البذخ ولا تحب الإسراف، فلا يروعها الفقر. - قد يكون ذلك ولكني ... ألا ترى أن الحكمة تقضي بأن تبقى معك إلى أن تألف هذا العيش الجديد قبل الزواج، وإني لا أقترح هذا الاقتراح إلا لهنائها.
فأجابه الكونت بلهجة المتهكم: قد تكون مصيبا، ولكني أرى التعجيل بالزواج أولى؛ فإن الحب يهون كل عسير. - هذا لا ريب فيه، ولكن بقي سبب آخر يقضي بعدم التعجيل بالزواج؛ فإني أحب مرسلين حب عبادة ولا أريد التأخير، ولكني لا أستطيع أن أنسى أيها الكونت العزيز كيف عاملتني حين خطبتها إليك، وكيف أظهرت عيوبي وقلت إن زواجنا محال؟
لا أقول هذا لأني حاقد عليك، ومعاذ الله أن أكون من الحاقدين، ولكنك إذا كنت نسيت تلك الأقوال فإني لا أنساها؛ لأنها محفورة في قلبي، وقد كنت مخطئا في حكمك علي، فأنا أريد أن أصبر إلى أن تنجلي لك حقيقة أمري وتثق أن النمامين قد وشوا بي إليك بما هو كذب وافتراء، فاسمح لي أن أتريث إلى أن تختبرني فأكسب احترامك ومودتك، وعند ذلك لا أكون صهرك فقط بل أكون ولدك. - إذا كان هذا ما تريده يا بني فليكن ما تريد، وإن ابنتي تنتظر؛ أليس كذلك يا مرسلين؟
Page inconnue