Études en langue et en littérature
مطالعات في اللغة والأدب
Genres
Upright ... خفضا
Falling
حسب اصطلاح العرب؛ بل إن مصيبة الإفرنج أعظم؛ فإن الأديب عندهم لا يعول على أدبه إلا إذا درس مع لغته اللغتين اللاتينية واليونانية، يتعلم ثلاث لغات ليكون أديبا في واحدة. •••
قلنا إن العرب نسجوا على منوال السريان، وقد مر عليهم بعد وضع علم النحو دوران: في الدور الأول جمعوا بين القوانين والشواهد من كلام العرب، وعلى هذا الأسلوب جرى سيبويه في كتابه كما رأيت. وكان هذا أسلوب أهل الأندلس، قال ابن خلدون: «وأهل صناعة العربية بالأندلس ومعلموها أقرب إلى تحصيل هذه الملكة وتعليمها من سواهم؛ لقيامهم فيها على شواهد العرب وأمثالهم، والتفقه في الكثير من التراكيب في مجالس تعليمهم، فيسبق إلى المبتدئ كثير من الملكة أثناء التعلم فتنقطع النفس لها وتستعد إلى تحصيلها وقبولها»، وقد كان هذا أسلوب أهل الشرق أيضا لعهد الدولة الأموية والعباسية كما قال ابن خلدون في موضع آخر.
فالذين يتفقهون في كلام العرب في هذا الدور أحسنوا الملكة، والذين انصرفوا إلى القوانين أحسنوا الصناعة، والذين عنوا بالأمرين أحسنوا الملكة والصناعة معا.
وفي الدور الثاني اقتصروا على القوانين وجردوا كتبهم من أشعار العرب وكلامهم، وهو أسلوب أهل المغرب وإفريقية وغيرهم. قال ابن خلدون: «أما من سواهم - أي سوى أهل الأندلس - من أهل المغرب وإفريقية وغيرهم فأجروا صناعة العربية مجرى العلوم بحثا، وقطعوا النظر عن التفقه في تراكيب كلام العرب - إلا إن أعربوا شاهدا أو رجحوا مذهبا من جهة الاقتضاء الذهني لا من جهة محامل اللسان وتراكيبه - فأصبحت صناعة العربية كأنها من جملة قوانين المنطق العقلية أو الجدل، وبعدت عن مناحي اللسان وملكته، وما ذلك إلا لعدولهم عن البحث في شواهد اللسان وتراكيبه، وتمييز أساليبه، وغفلتهم عن المران في ذلك للمتعلم، فهو أحسن ما تفيده الملكة في اللسان. وتلك القوانين إنما هي وسائل للتعليم ، لكنهم أجروها على غير ما قصد بها، وأصاروها علما بحتا، وبعدوا عن ثمرتها.»
وعن أهل المغرب وإفريقية أخذنا هذا الأسلوب الذي نتبعه اليوم فتعلقنا بالصناعة وأهملنا الملكة. •••
ما كان أغنى المتأخرين من عرب وإفرنج عن تقليد المتقدمين من سريان وكلدان ولاتين ويونان في التعلق بهذه القوانين على غير حاجة، وما كان أحراهم إذا أرادوا إقامة ملكاتهم أن يفتشوا عن أسلوب آخر؛ بل ما كان أحرانا في هذا العصر إذا لم يكن بد من النسج على منوال المتقدمين أن نأخذ الأسلوب الأندلسي على الأقل لا الأسلوب المغربي، ثم بدلا من أن نجرده من أشعار العرب وأمثالهم وشواهد كلامهم ونقتصر فيه على قوانين الإعراب كما فعل أهل المغرب، فنحصل على علم اللسان صناعة، نجري فيه على عكس ذلك أي نجرده من القوانين ونقتصر على الشواهد فنحصل على علم اللسان ملكة ... وهذا هو الأسلوب الذي أشار به ابن خلدون فيلسوف العرب وأستاذهم الأكبر في مواطن كثيرة من مقدمته، وإليك ما قاله في بعض تلك المواطن:
إن اللغات لما كانت ملكات كان تعلمها ممكنا شأن سائر الملكات، ووجه التعلم لمن يبتغي هذه الملكة ويروم تحصيلها أن يأخذ نفسه بحفظ كلامهم القديم الجاري على أساليبهم من القرآن والحديث وكلام السلف ومخاطبات فحول العرب في أسجاعهم وأشعارهم وكلمات المولدين أيضا في سائر فنونهم، حتى يتنزل - لكثرة حفظه لكلامهم من المنظوم والمنثور - منزلة من نشأ بينهم ولقن العبارة عن المقاصد منهم، ثم يتصرف بعد ذلك في التعبير عما في ضميره على حسب عباراتهم وتأليف كلماتهم وما وعاه وحفظه من أساليبهم وترتيب ألفاظهم، فتحل له الملكة بهذا الحفظ والاستعمال، ويزداد بكثرتهما رسوخا وقوة، ويحتاج مع ذلك إلى سلامة الطبع والتفهم الحسن لمنازع العرب وأساليبهم في التراكيب ومراعاة التطبيق بينهما وبين مقتضيات الأحوال، والذوق يشهد بذلك، وهو ينشأ ما بين هذه الملكة والطبع السليم فيهما، وعلى قدر المحفوظ وكثرة الاستعمال تكون جودة المقول المصنوع نظما ونثرا، ومن حصل على هذه الملكات فقد حصل على لغة مضر، وهو الناقد البصير بالبلاغة فيها، وهكذا ينبغي أن يكون تعلمها.
وقال في موضع آخر:
Page inconnue