باب تفسير معنى: أين الله؟
إن سأل سائل: فقال أين الله؟ قيل له: مسئلتك تحتمل وجهين، وتنصرف في اللغة على معنيين، أحدهما: أن تكون تريد أين الله حال، وهذا فباطل فاسد من المقال، متعال عنه ذو القوة والعزة والجلال، لأن ذلك يوجب التحديد، ومتى وقع التحديد وقع التبعيض ، ومتى وقع التبعيض وقع التشبيه، فإذا وقع التشبيه، زالت الربوبية بلا شك عن ذلك الشيء المبعض المحدد المجزا؛ لأن الخالق على خلاف المخلوقين، ومن وصف بصفة المربوبين فقد أزيل عنه أن يكون جاعلا، وصح أنه من المخلوقين، وبطلت وبعدت منه الوحدانية، وزالت من صفاته بغير ما لبس الأزلية، والله جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله، فهو الواحد الأزلي، والخالق المحدث الباري، الذي ليس له ضد ولا شبيه ولا مثل ولا عديل، وهو الله الواحد الفرد الصمد الجليل.
وإن كنت تريد بقولك أين الرحمن؟ تقول: أين هو مدبر فاعل لكل شأن؟ فهو كما ذكر عن نفسه بكل مكان مدبر فاعل، يفعل في كل يوم ما يريد، يميت ويحيي، ويخلق ويرزق، وهو الواحد الحميد، العالم لا يخفى عليه مختف، بل علمه به كعلمه بالظاهر المتجلي، فهو سبحانه كذلك، وهذا جوابنا، وقولنا لمن سأل عن ذلك، لا ما يذهب إليه المشبهون لربهم، المتكمهون في بحور ضلالهم، والعابدون لغير إلههم، إذ هم يعبدون الذي هم يذكرون، ويصفون وينعتون، ويحددون ويبعضون، والله الخالق الباري، فخلاف ما يصفون، فلذلك قلنا إنهم غيره يعبدون، فالجاهلون يعبدون صورة وجسما، والله فهو المجسم المصور لكل جسم، ومصور المصور فخلاف المصور، لأن المصور فاعل، والمصور مفعول به، والفاعل فليس بالمفعول، لأن الفاعل قبل مفعوله، فقد بان أن المشبهين يعبدون غير رب العالمين، فقد كفروا بالخالق، وعبدوا المخلوق، فبعدا لأصحاب السعير، والحمد لله الواحد القدير.
Page 149