فقولنا: إن شاء الله لمن سأل عن ذلك، إن الله تبارك وتعالى أراد أن يخبر بما أخبر به ويذكر ما ذكر، فكان ما أراد، وكانت إرادته في ذلك هي المراد، من الإخبار نفسه، فأما أن يكون أراد أن تقوم القيامة ويقع الجزاء عند ما أخبر به من خبرهما فلم يرد ذلك، ولو كان مراده فيه كذلك، لكان أول الخلق قد واقع وعاين القيامة والجزاء، وكان قد انقطع النسل والنماء، وحل بالأولين دون الآخرين ما يتقى، ولكنه سبحانه أخبر عما سيكون من فعله، وهو سبحانه بغير شك يريد أن يقيمها في وقت ما شاء، والوقت فهو في علمه معلوم مسمى، فإذا أراد إقامتها قامت، وإذا شاء أن يجليها تجلت، ولم يشاء سبحانه أن يجليها، إلا في وقتها الذي إليه أجلها كما قال سبحانه: { يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة } [الأعراف: 187] إلى آخر الآية، فهو سبحانه يريد أن يقيمها لوقتها، ولم يرد أن يقيمها في دون ما جعل من مدتها، وبين يريد وأراد في اللغة واللسان، فرق عند جميع أهل اللغة العربية والبيان، لأن معنى يريد، فهو سيفعل لا أنه قد فعل، ومعنى أراد، فهو أمضى وفعل لا سيفعل، وبين الفعل المستقبل والفعل الماضي فرق في جميع المعاني من القول والإعراب، وغير ذلك من غوامض الأسباب، يعرفه ويعلمه ويقف عليه ذووا الألباب، وليس من قيل له إنه يريد أن يفعل كذا وكذا في الحكم، كمن قيل له إنه قد فعل ما به أقدم وعليه اجترى، والحكم عليه من الله ومن رسوله ومن الأئمة الهادين بالقطع والصلب، والقتل والضرب، والحبس والتنكيل، فلا يقع على من يريد عمل ما جعل فيه ذلك ولم يفعله، وإنما يقع ذلك ويجب على من دخل فيه واكتسبه وفعله، وفي أقل من ذلك نور وبرهان، وفرق بين أراد ويريد وفصل وتبيان، عند كل ذي علم وحجى، وبصيرة ويقين واهتدى.
والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله على محمد النبي المصطفى، وعلى من طاب من عترته وزكى.
Page 145