طالب ثم قال عبد المطلب : الآن خفف علي الموت ، ولم يزل يقبله ويقول : أشهد أني لم أر أحدا أطيب ريحا منك ولا أحسن وجها (19).
لم ينص عبدالمطلب عليه بالوصية لمحض أنه شقيق أبيه عبدالله فلقد كان الزبير يشارك أبا طالب في ذلك وإنما هو لكفايته لتلك المرتبة القدسية فقد صاغه المهيمن سبحانه متأهلا لحمل النواميس الإلهية « شديد بأعباء الخلافة كاهله ».
فاجتمعت فيه القابلية الذاتية والمعدات المفاضة عليه من سلفه الطاهر ومن الأوصياء الماضين وتأكدت بمصاحبة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله آناء الليل وأطراف النهار فلا يكاد يفارقه آنا ما وبمشهد منه الإرهاصات النبوية والإفاضات الإلهية المكهربة للمواد اللائقة.
فرح أبو طالب بهذه الخطوة من أبيه العطوف ، وراح يدخر لنفسه السعادة الخالدة بكفالة نبي الرحمة ، فقام بأمره ، وحماه في صغره بماله وجاهه من اليهود ، والعرب ، وقريش ، وكان يؤثره على أهله ونفسه وكيف لا يفعل هذا وهو يشاهد من ابن أخيه ولما يبلغ التاسعة من عمره هيكل القدس يملأ الدست هيبة ، ورجاحة أكثر ضحكه الابتسام ، ويأنس بالوحدة أكثر من الاجتماع ، وإذا وضع له الطعام والشراب لم يتناول منه شيئا إلا قال : باسم الله الأحد ، وإذا فرغ من الطعام حمد الله وأثنى عليه ، وإن رصده في نومه شاهد النور يسطع من رأسه إلى عنان السماء (20).
وكان يوما معه بذي المجاز فعطش أبوطالب ، ولم يجد الماء فجاء النبي صلى الله عليه وآله إلى صخرة هناك ، فركله برجله فنبع من تحتها الماء العذب (21)، وزاد على ذلك توفر الطعام في بيته حتى أنه يكفي الجمع الكثير إذا تناول النبي منه شيئا (22).
وهذا وحده كاف في الإذعان بأن أبا طالب كان على يقين من نبوة ابن أخيه صلى الله عليه وآله أضف الى ذلك قوله في خطبته لما أراد أن يزوجه من خديجة :
وكان يقول في وصيته لقريش عند الوفاة :
Page 13