La musique orientale et le chant arabe
الموسيقى الشرقية والغناء العربي
Genres
وكان أحيانا يند عن المألوف ويتحول في الدول من نغمته الأولى إلى نغمة ثانية، ثم يعود إلى الأولى ويقفل بها الدور بعد أن يفوت بصوته مارش النسر، وينزل متسلسلا إلى القرار على حد ما حدث ليلة زواج الأستاذ: إبراهيم سهلون الكماني، فغنى دور «أصل الغرام نظرة» على نغمة الرصد، ولما أطلق لصوته العنان في سماء التطريب أبدل جواب النغمة بالسيكاه، وتسلطن بها على الرصد، ونزل متسلسلا وأقفل الدور رصدا مما أدهش الشيخ: محمد عبد الرحيم المسلوب الملحن الكبير وكاد يشق ثيابه من شدة الذهول وصاح قائلا «الله أكبر سبحان الوهاب ياسي عبده».
ومما يماثل ذلك ما حدث لعمر بن أبي ربيعة يوم غنته عزة الميلاء لحنا لها فيه شيء من شعره، فشق ثيابه وصاح صيحة عظيمة صعق معها. فلما أفاق قال القوم: «لغيرك الجهل يا أبا الخطاب، فقال والله إني سمعت ما لم أملك معه لا نفسي ولا عقلي». وقد روى عنه المرحوم: أنطون الشوا، والد الأستاذ: سامي الشوا، أمير الكمان أنه كان لقوة صوته يضطر إلى إعلاء كمانه ثلاثة مقامات عن المعتاد كلما كان يشتغل على تخته خلافا لما كان يفعل، بينما يكون شغالا مع محمد عثمان فإنه يوطئ كمانه ثلاثة مقامات إلى أسفل تمشيا مع صوته.
وقد امتاز عن معاصريه من المحترفين في غناء القصائد والمواويل والأدوار يبدأه من القرار الهرمي المتين والقوي الواسع إلى الجواب ماسا جواب الجواب، محيطا بالمقام من أوله إلى آخره إحاطة الهالة بالقمر. وكان يستمر في إلقاء القصيدة ساعة أو ساعتين أو ثلاث ساعات من دون أن يشعر من الاستمرار أو التكرار بتعب أو يرهقه عجز أو إعياء. فإذا استعيدت منه حركة من حركاته التي كان يلقيها فتارة كان يغنيها مع تحسينها بإدخال شيء جديد عليها (ولكل جديد لذة) وطورا كان يستبدلها بغيرها على طراز أبدع، فيصير السامع أحير من ضب إلى أن ينتهي به العجب بأن يؤثر الثانية على الأولى؛ لما وجد فيها من طلاوة وعذوبة، وآونة كان نزولا على رغبة الطالب يبدأ بالحركة نفسها المطلوب إعادة إلقائها، ويخرج منها إلى نغمات غريبة يعرضها عليه فجأة متنوعة الألوان متشعبة الفروع وصحيحة الأوزان ثم يعود إليها طبقا للأصول الفنية سالما منصورا.
أما تلحينه فحدث عنه ولا حرج لما توفر في صوته القوي من صفات نادرة في القرار، والجواب، وحسن التوقيع، ودقة الإيقاع، ومناسبة الأصوات، وجناس النغمات، وتشخيص الانفعالات الملائمة بلطيف الإشارات، وخفة الحركات، فتتمثل أمام السامع صور ما يلقيه على أتم معانيها، ويرجع إعجاز تلحينه إلى تعدد نغماته وتغييرها وتشكيلها ورسم ألوانها التي تحاكي ألوان زهور الربيع، وكثرة المقامات حتى يخيل إلى السامع أن نغماته إن هي إلا قطع التبر، وأن معانيها إن هي إلا أخذ السحر.
وبالجملة فإن صوته السحري إذا سخره لأي نغمة من النغمات، أو بعبارة أخرى إذا انتقل من نغمة إلى أخرى، أو من الأدنى إلى الأوسط وإلى الأعلى فمحال أن يقلده مجازف من المحترفين، أو يدرك شأوه، خلافا للملحنين الآخرين فإن تلاحينهم كانت سهلة التقليد، وقريبة المتناول؛ لسهولة إلقائها، وبساطة مآخذها، فضلا عما فيها من جودة ومتانة، وحسن حبك، ولذلك كانت سريعة الانتشار لما تقدم من الأسباب، وكان يتلقنها المحترفون والهواة عن الملحن الذي لحنها بأسرع من لمح البصر، ويقلدونه فيها تمام التقليد، أما طلب تقليد تلاحين عبده فهو من المستحيلات؛ لما فيها من مهارة فنية، ومناعة بديعة، وحيلة واسعة، فكان وأيم الله آية من آياته في قوة البديهة، وحسن الارتجال، وغريب التصرف بأساليب الغناء، وضروب التطريب، وقد يخيل إليك إذا لحن من فوره مذهبا أو دورا أنه يقرأ الفاتحة أو يتلو في لوح مسطور، وإليك الدليل المقنع كما أثبته لنا معاصروه الذين رأوه وسمعوه يلحن لساعته الدور الآتي نظم الشيخ: علي الليثي، أحد شعراء أبي الأشبال الخديو إسماعيل وهو: (مذهب)
أنا السبب في اللي جرى
ما حد غيري اللي انظلم
طاوعت أسباب الهوى
حتى غدا خصمي حكم (دور)
يا قلب أضناك الهوى
Page inconnue