La musique orientale et le chant arabe
الموسيقى الشرقية والغناء العربي
Genres
لأنهم لم يسبق لهم معرفته بدليل أنهم كانوا يستعيضون عنه بريش الطير، أو بعفق الأوتار بالأصابع، ولا يخفى أنها كانت في بدء ظهورها غير مستوفاة التركيب، وغير جيدة الصنع إلى أن تدرج تحسينها بواسطة صانعيها شيئا فشيئا إلى حد الكمال والإتقان كما سترى فيما يلي، فإن الڤيولونسيل والڤيولا والڤيولينا (أي الكمنجة) التي ظهرت في أواخر الجيل السادس عشر كان أول صانع لنوع الكمنجة من الأنواع الثلاثة المذكورة جاسبار داصالو الطلياني الذي ولد حوالي سنة 1542، إلا أن بعضهم يزعمون ظهورها قبل ميلاد جاسبار، وفي كل حال فإنها لم تبلغ الغاية المرادة من الدقة في عصره، وكانت مهملة وعديمة النفع، وقفا إثره مارجيني تلميذه وأدخل عليها التحسينات اللازمة كما فعل بعده أندريا آماتي (1530-1580) الذي حذق عملها، وقرع صيته الأسماع حتى كلفه شارل التاسع عشر - ملك فرنسا الذي كان معدودا من أعظم هواة الفن - بصنع 24 كمنجة متنوعة الحجم لزوم كنيسته الملكية، فقام بصنعها جميعا وامتدت إليها يد الضياع في إبان الثورة الفرنسية.
أما ما كان من أمر العرب فإنهم نقلوا الموسيقى عن اليونان والفرس، وأشهر الكتب التي ترجموها عن فلاسفة اليونان بمعرفة مهرة التراجمة، ومؤلفات فيثاغورس في الموسيقى والحساب وغيرهما من العلوم الرياضية، وشغفوا بها شغفا أدى إلى أن وسمت قواعدهم الموسيقية وأغانيهم بالطابع اليوناني.
بدهي أن العرب كانوا أهل نجعة وخيام، وألاف بادية وأنعام، لا يجنحون إلى إقليم معين، وليس لهم مقر يرتافون منه - حالة منافية لطبيعة العلم وما يقتضيه من القرار والتوفر على البحث والاستدلال، ومناقضة لقواعد الحضارة والعمران لتصديهم إلى شن الغارات ومواصلة المغازي والمشاحات - فلما ظهر الإسلام، ولأم صديع شملهم، اشتغلوا بالفتوح وانصرفت عزائمهم إلى توسيع نطاق ملكهم، لا سيما بعدما أوتوا النصر المبين، كانوا من أبعد الناس عن الأشغال بأسباب العلم، وأشدهم أنفة عن انتحال الصنائع لانهماكهم في تدبير شئون دولتهم وسياستهم وحمايتها؛ خشية أن يكونوا مغلبين لغالب، أو طعمة لآكل، ولم تحفزهم وقتئذ الحاجة إلى ضبط قواعد لغتهم، فكان سيبويه صاحب صناعة النحو، والفارسي والزجاج والزمخشري وأمثالهم من فرسان الكلام، وكلهم عجم بالنسب قد اكتسبوا اللسان العربي بالمربى ومخالطة العربا، وكذا حملة الحديث الشريف الذين حفظوه عن أهل الإسلام أكثرهم عجم أو مستعجمون لغة ومربى، وكان علماء أصول الفقه كلهم عجما، وكذا أكثر المفسرين، ولم يقم بحفظ العلم وتدوينه إلا الأعاجم كما ذكره ابن خلدون وظهر مصداق قوله
صلى الله عليه وسلم «لو تعلق العلم بأكناف السماء لناله قوم من أهل فارس».
ولما رسخت قواعد دولتهم ورأوا في أكثر الممالك التي وطئوها من أسباب الحضارة والرقي والتضلع من أنواع الفنون ما حبب إليهم درس العلوم والصنائع انصرفوا إلى طلبها بصريمة محكمة، وذلك في أثناء المائة الثانية للهجرة، بعدما دوخوا الممالك، واستولوا على أعنة أمورها، وزال ما كان بينهم من المنازعات على الخلافة وغيرها.
وأول من اشتهر من العرب يعقوب الكندي - الملقب بفيلسوف العرب من القرن الثالث - وله عدة تآليف في المنطق والفلسفة الناطقة وشروح على كتب أرسطو، وكانت له عدة مصنفات في الموسيقى والهندسة والحساب والهيئة، وجاء الفارابي الذي له عدة تآليف في الفلسفة والموسيقى والسياسة المدنية وغيرها، وله تعريب كثير من كتب أرسطو، ولابن سينا كتاب: المدخل إلى صناعة الموسيقى، ومنهم ابن باجة أبو بكر محمد بن يحيى التجيبي السرقسطي - المعروف بابن الصائغ من رجال القرن السادس - كان من أكابر فلاسفة العرب بالأندلس، وكان له باع طويل في الموسيقى والطب وعلم الهيئات والرياضيات. وكان الرازي من المتقدمين في الطب والموسيقى والمنطق والهندسة، وصفوة القول إن المؤرخين من العرب هم أكثر من أن يأخذهم الإحصاء، ومن العلوم التي بحثوا فيها وتكلموا عليها العلم الطبيعي الذي أخذوه عن مصنفات أرسطو وغيره من متقدمي اليونان، فبحثوا ضمنا في الأصوات والنغمات في الكلام على المسموعات، وكانوا والحق يقال أهل صنائع بديعة وفنون غريبة وتجارة رائجة وزراعة نامية، وكان العلم مصباحا يضيء جنودهم أينما حلوا في كل بلاد وطئتها حوافر خيلهم وافتتحوها حتى امتدت حضارتهم من أطراف آسيا إلى أقاصي أفريقيا ووسط أوروبا. ولو لبث الدهر باسما لهم ومسالما إلى يومنا هذا لم يبعد أن كانوا بلغوا ما بلغ غيرهم ممن اقتبسوا عنهم علومهم وفنونهم وصنائعهم وضربوا فيها بسهم وافر مثلهم. ومما لا يختلف فيه اثنان أن الإفرنج الذين خلفوا العرب قد أخذوا عنهم كثيرا من المصنوعات كالبارود، والورق، والخزف، والسكر، والزجاج، وتركيب الأدوية، وتصفية المعادن، وفنون النساجة والدباغة، وذلك دليل قاطع على تمام تمدنهم وشغفهم بالفنون الجميلة وعلى رأسها الموسيقى التي كانت في أبان بداوتهم وجاهليتهم مقصورة على الترنم بالشعر وتغني الحداة منهم في حداء إبلهم، والفتيان في فضاء خلواتهم، وكانوا يرقصون على الدف والمزمار، فلما جاء الإسلام وتغلبوا على الفرس واختلطوا بهم سمعوا تلحينهم للأصوات فلحنوا عليها أشعارهم، وكلما ازدادوا غرقا في النعيم والترف ازداد تولعهم بالغناء بمقدار ما نقص من خشونتهم، وألفوا عوائد من اتصلوا به من الروم والعجم الذين اشتهروا بالتبحر في علم الموسيقى. وكفى بتسمية الأنغام الموسيقية بألفاظ فارسية دليلا على ما لهم فيها من المزايا الظاهرة على حد الشعر حتى سميت بلادهم ببلاد الجمال الشذية.
على أن الغناء كان في زمن الجاهلية من خصائص الإماء، وتسمى عندهم الأمة المغنية بالقينة والكونية. وقد زعموا أن أول من غنى من الإماء جاريتان كانتا لمعاوية بن بكر من قبيلة عاد الهالكة، وهما المدعوتان في الأخبار بالجرادتين، وقد قيل إنهما وضعتا ألحانا اعتبرت من الطبقة الأولى.
وقد ذكر ابن خلدون ما يأتي: «وقد ظهر بالمدينة نشيط الفارسي وطويس وسائر ابن جابر مولى عبيد الله بن جعفر فسمعوا شعر العرب ولحنوه وأجادوا فيه، وطار لهم ذكر، ثم أخذ عنهم معبد وطبقته، وابن شريح وأنظاره، وما زالت تتدرج إلى أن تمكنت أيام بني العباس عند إبراهيم بن المهدي، وإبراهيم الموصلي وابنه إسحاق وابنه حماد». ا.ه.
وكان أحسن الناس غناء في الثقيل على ما قيل هو ابن محرز، وفي الرمل ابن شريح، وفي الهرج طويس، وكان الناس يضربون به المثل فيقولون أهزج من طويس، وكان ينقر بالدف دون أن يعزف على العود، وقد أخذ عنه أسرى الفرس في أثناء اشتغالهم بأعمال البناء وغيرها كثيرا من النغمات والألحان والموازين، وكان يلقب (طويس) بالذائب لأنه غنى البيت الآتي:
قد براني الحب حتى
Page inconnue