La musique orientale
كتاب الموسيقى الشرقي
Genres
وذاك في (المعاق) حكم بين
وقال الشيخ عبد الرءوف المناوي - رحمه الله تعالى -: ينبغي للطالب عند وقوف سنه - ترويحه بنحو شعر أو (سماع) أو حكايات؛ فإن الفكر إذا أغلق ذهل عن تصور المعاني، وذلك لا يسلم منه أحد ولا يقدر إنسان على مكابدة ذهنه على الفهم، وغلبة قلبه على التصور؛ لأن القلب مع الإكراه أشد قبولا، وأبعد نفورا، وفي الأثر أن القلب إذا أكره عمي ولكن يعمل على دفع ما طرأ عليه بترويحه بشعر أو نحوه من الأدب، فيستجيب له القلب مطيعا، قال الشاعر:
وليس بمغن في المودة شافع
إذا لم يكن بين الضلوع شفيع
وقيل: إن الملاذ التي عليها مدار الوجود أربعة: المأكل لعدم قيام البدن بدونه، والسماع لتعلقه بالروح وهي أشرف أجزاء الجسم، والنكاح لتعلقه بالنسل، والملبس لستر البدن، ولا يزاد في كل منها عن اللزوم، فإن زيد فيها عن ذلك حصل الإعياء، ما عدا السماع؛ فالزيادة لازمة فيه لغذاء الروح وراحة البدن وشفائه من الأسقام.
قال أفلاطون: من حزن فليستمع الأصوات الطيبة؛ فإن النفس إذا حزنت خمد منها نورها، فإذا سمعت ما يطربها اشتعل منها ما خمد.
وكان إسكندر ذو القرنين إذا وجد في نفسه ما يعيي مزاجه من انقباض أو حدس؛ دعا تلميذه ليحضر له العود ويضرب عليه، فيزول عنه ما كان يجده.
وقال أفلاطون: إن هذا العلم لم تضعه الحكماء للتسلية واللهو، بل للمنافع الذاتية، ولذة الروح الروحانية وبسط النفس وترويق الدم، أما من ليس له دراية في ذلك، فيعتقد أنه ما وضع إلا للهو واللعب والترغيب في لذة شهوات الدنيا والغرور بأمانيها.
قال أحد الحكماء: إن الغناء فضيلة تعذر على المنطق إظهارها ولم يتعذر على النفس إخراجها بالعبارة، فأخرجتها النفس لحنا موزونا - فلما سمعتها الطبيعة استلذتها وفرحت وسرت بها، فاسمعوا من النفس حديثها ومناجاتها، ودعوا الطبيعة والتأمل لزينتها؛ لئلا تغرنكم.
وقال آخر: احذروا عند سماع الموسيقى أن يثور بكم شهوات النفس البهيمية نحو زينة الطبيعة، فتميل بكم عن سنن الهدى، وتصدكم عن مناجاة النفس العليا.
Page inconnue