Le problème des sciences humaines : leur codification et la possibilité de leur résolution
مشكلة العلوم الإنسانية: تقنينها وإمكانية حلها
Genres
وطبعا معيار القابلية للتكذيب يرسم حدود الحديث المشترك، وتطبيقه المباشر أو الحرفي يعني أن ترفع العلوم الإنسانية تماما يدها عن النزعات الكلية، والتنبؤات التاريخية الواسعة النطاق، وأن تحيط بالمشاكل المطروحة فعلا، كل واحدة على حدة بواسطة المنهج النقدي: الاختباري التكذيبي، وبهذه النظرة تغدو وظيفة العلوم الإنسانية والاجتماعية دراسة النتائج غير المقصودة، بل وغير المرغوبة للسلوك، بدلا من التنبؤ بما سيجيء حتميا، وهذه الوظيفة ستجعلها تضع التنبؤات المشروطة القابلة للتكذيب، بدلا من التنبؤات الواسعة النطاق غير القابلة له.
3
إن الطبيعة القابلة للتكذيب، أو التكذيبية للنظرية العلمية، تعني وضع القانون العلمي في صورة حوادث ممكنة، ما يعني إمكانية وضع القانون العلمي في صورة نافية، وتلك الوظيفة المذكورة تفتح أمام العلوم الإنسانية إمكانية التوصل إلى مثل هذه القوانين، أو الفروض النافية؛ أي العلمية، ويعطي بوبر أمثلة على هذا: «لا يمكنك فرض الرسوم الجمركية على المنتجات الزراعية، وتقلل في الوقت نفسه من تكاليف المعيشة»، «لا يمكن تحقيق العمالة الكاملة دون أن يتسبب ذلك في حدوث التضخم»، «لا يمكن في المجتمع ذي التخطيط المركزي، أن يؤدي نظام الأثمان فيه نفس الوظائف الرئيسة التي تؤديها الأثمان القائمة على المنافسة» «لا يمكن أن تقوم بثورة دون أن ينشأ عنها اتجاه رجعي»،
4
هذه الوظيفة أيضا ستجعل التطبيق؛ أي التقانة أو التكنولوجيا تعقب المعرفة الاجتماعية والإنسانية كما تعقب المعرفة الطبيعية، ويلخص بوبر رأيه بأن التقانة الاجتماعية المطلوبة هي التقانة التي لها نتائج يمكن اختبارها بواسطة الهندسة الاجتماعية الجزئية
Social Piecemeal Engineering
المناهضة للتغيير الكلي الثوري كالماركسي، هذه المشاريع الأيديولوجية الواسعة النطاق والمفتوحة الحدود تخرج عن مجال وسيطرة العلوم الإنسانية، وإذا اعترض أنصار سوسيولوجية المعرفة بأن هذا ليس هو المطلوب، وأن مشكلة العلوم الاجتماعية ليست في أنها لا تتوصل إلى نتائج تطبيقية عملية، وإنما في أنها تتعامل مع مشاكل معقدة، ومتداخلة في الميادين النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فإن بوبر يرد عليهم بأن كل المشاكل والوقائع المعرفية معقدة ومتداخلة كما سبق أن أوضحنا، أو بالأحرى كما سبق أن أوضحت الإبستمولوجيا العلمية المعاصرة، المهم أن البحث يبدأ من فرض توصل إليه العالم من أي طريق كان، وعليه أن يختار الفرض القابل للتكذيب كي يضمن استمرارية التقدم، أما التطبيق العلمي فهو لا يعادي المعرفة النظرية، بل هو حافز لها.
5 •••
كل هذه الإمكانات التي تطرحها الخاصة المنطقية للعلوم الطبيعية أمام العلوم الإنسانية لا تشترط قبلا إلا إمكانية العلم بالظواهر الإنسانية والاجتماعية، ولا يلزم هذا أكثر من التسليم بأن تلك الظواهر الإنسانية ليست قائمة في ملكوت السماوات أو عالم الغيب، بل هي قائمة في عالم الشهادة، إنها ظواهر مندرجة في بيئتنا: العالم الذي نحيا فيه، والذي أثبت منطق العلم التجريبي أنه أصدق من يأتينا بخير عنه، وأكفأ من يقوم بمحاولة وصفه وتفسيره في سلسلة متتالية كل حلقة أنجح من سابقتها.
ومع هذا فإن تلك الإمكانات الرحيبة أمام العلوم الإنسانية، ومجرد الاستفادة من الخاصة المنطقية للعلوم الطبيعية سوف يواجهها رفض واعتراض يتخذ صورا شتى وتكرر كثيرا، وشاع وذاع ربما لحد الملالة. «وقد يكن مبعثه أن العلوم الطبيعية تجاوزت العلوم الإنسانية إلى حد بعيد، ومن ثم تحيط بنا الخشية من السقوط في التبعية.»
Page inconnue