Problèmes avec des étrangers : Une étude en philosophie morale
مشكلات مع الغرباء: دراسة في فلسفة الأخلاق
Genres
فطور المرآة إذن لم يكن مطلقا حالة من البراءة الفردوسية الخالصة، بل على العكس، يمكن اعتباره لمحة من عملية السقوط من الفردوس وهي تحدث. فمن ناحية، تتضمن النرجسية ذاتها بعض الاشمئزاز والإيذاء الذاتيين، ومن الناحية الأخرى، فإن الحدود المشوشة بين الذوات تغذي المنافسة بقدر ما تغذي التناغم؛ فهي تشبه الجمع بين الهوية والعداء الذي يمكننا ملاحظته في حالات جنون الارتياب التي يكون فيها الطرف المضطهد هو الشخص نفسه وأنا بديلة هلامية. وهي ما يطلق عليه كيركجارد «التعاطف المتنافر» في كتابه «مفهوم الهلع»؛ فالجار - كما يشير فرويد في كتابه «مشروع سيكولوجيا علمية» ويقصد على الأرجح الأخ/الأخت - هو أقرب شخص صديق وعدو لنا في نفس الوقت. فبعض ملامح هذا الشخص (الوجه، على سبيل المثال) كما يقول فرويد ستكون غريبة ومفعمة بالتهديد؛ لكن البعض الآخر - كحركة اليد مثلا - تستدعي التشابه. ومن اللافت في هذا الصدد أن كلمة «يباري» تعني كلا من: «ينازل» و«يحاكي»، «يشبه» و«ينافس». وكما يقول لاكان مقتبسا كلمات أوسكار وايلد دون أن يدري: «الشخص الذي تحاربه هو أكثر من يحوز على إعجابك.»
18
فالأنا المثالية، وهي الصورة التي يرتسم بها انعكاس الطفل أمامه، هي ما ينبغي عليك قتله.
ويسعى الطفل الغارق في هذا التواطؤ اللاعقلي مع صورته والأشياء المحيطة بها إلى كسر حالة الجمود تلك من خلال العدوان. ويمكن تصور الطفل إذ يخضع لسطوة العبورية، وهو ينتقل دون توقف من دور الصياد إلى دور الضحية أو يؤدي كلا الدورين في الوقت ذاته.
19
ويتحدث ماكس هوركايمر وتيودور أدورنو في كتاب «جدل التنوير» عن الرغبة في المحاكاة للاندماج مع العالم؛ لكن يتحدثان أيضا عن الخوف من الوقوع تحت سيطرة قوى خارجية قد تولدها هذه الرغبة. وفي فقرة غريبة ومشئومة إلى حد ما، يكتب مارتن هايدجر عن كيف كان الجنود في الحرب العالمية الأولى من كلا طرفي النزاع قادرين على مواجهة بعضهم لبعض وجها لوجه على الجبهة، فصار بعضهم يتماهى مع بعض، «ممتزجين في جسد واحد» (بتعبير إرنست يونجر).
20
ويتحسر هايدجر قائلا إن مثل هذه المواجهة الخيالية لم تكن ممكنة في المواجهة الآلية في الحرب العالمية الثانية؛ فموقع يجري فيه قتال تلاحمي بالأيدي مشهد تكافلي مرض بقدر أكبر من القتل المجرد الخسيس من عن بعد.
يرى لاكان أن طور المرآة يؤشر لأول ظهور للأنا، وهي وظيفة تعد صورة من صور الاغتراب الذاتي؛ فالوعي ذاته هو بنية من الإدراك الخاطئ؛ إذ يصير انعكاس الطفل المرتسم في المرآة نموذجا لكل الإدراكات الذاتية النرجسية اللاحقة التي تصنع الأنا. في هذا الشأن، يقول لاكان: «إن الأنا التي نتحدث عنها يستحيل تماما فصلها عن الأشياء الخيالية التي تكونها من الألف إلى الياء.»
21
Page inconnue