هيا بنا مع السيدة جليلة.
عوني (مودعا) :
شكرا أيتها الآنسة، واسمحي لي أن أردد التعبير عن ثقتي بأنك منضمة إلى صفوفنا بحكم فطرتك ونزعتك الفكرية. بي اقتناع بأن السعادة النسبية ممكنة لبني الإنسان، لا سيما وأن فكرة الارتقاء والسعادة وليدة العصور المتأخرة بعد أن تعاونت الأديان والفلسفات على إقناع الإنسان أنه دودة صغيرة تتمرغ في التراب أمام وجه الخالق ... والثورة أبدع مظهر من مظاهر الاستياء، وشرف المرء قائم في الاستياء من الرث البائد والبحث عما يفضله. شرف الإنسان قائم بإنصاف الآخرين كما ينصف نفسه. والنفوس الكبيرة قلقة أبدا لا ترضيها غير اللانهاية.
عارف (يدفعه بكوعه دفعة خفيفة) :
وهكذا تبدأ بالوعظ والإرشاد وتنتهي بالوعظ والإرشاد! الحياة بحر يا صاح، تتدافع فيها الأمواج واللجج والأنظمة والثورات، وإذا استبقيت أنظمة أكثر من سواها فلأنها أنفع للناس وأصلح، ولكن السعادة ليست غايتها ولا الكمال كعبتها! ما غاية الإنسانية إلا الإنسانية، وما كعبة الحياة إلا الحياة. أليس الأمر كذلك يا أستاذ؟
الأستاذ سامي (بصوته الهادئ) :
كما تدور الأحقاب تدور الأنظمة، والبقاء للذي لا يموت ولا يتغير (يخرج ووراءه زكي أفندي يمتدح كل واحد بدوره).
مي (تودع الزائرين وتعود إلى الغرفة الخالية حيث تتراجع أصداء الأصوات التي تكلمت هناك منذ حين. وبعد إطفاء الأنوار تخرج إلى الشرفة تحت القبة المدلهمة، تسند رأسها إلى الحائط وتفكر صامتة ثم تبسط يديها نحو الفضاء، نحو خيالات الأشجار، نحو أشعة النجوم، نحو هدير الأصوات وهدوء السكوت، وتقول بلهجة المبتهل) :
ها أنا ذا وحدي أيها الليل فأفهمني ما علي أن أدرك! ها أنا ذا مستعدة أيتها الحياة، فسيريني حيث يجب أن أسير !
الستار
Page inconnue