على أنها تعني «ما فيه خير الأمة»! (8-25) ولكن مترجمي الأمم المتحدة، سامحهم الله، قد استحدثوا ترجمة لا أدري مصدرها هي «الرفاه»، ولم أعثر عليها إلا في محيط المحيط للبستاني دون غيره باعتبارها اسما (مصدرا) من رفه يرفه، وأما القاموس المحيط فهذا ما جاء فيه: «الرفاهة»: والرفاهية مخففة، والرفهنية كبلهنية رغد الخصب ولين العيش، رفه عيشه ككرم فهو رفيه ورافه ورفهان ومترف مستريح متنعم، وأرفههم الله تعالى ورفههم ترفيها، ورفه الرجل كمنع رفها ويكسر ورفوها لان عيشه والإبل وردت الماء متى شاءت وإبل روافه، وأرفهتها ورفهتها وأرفهوا رفهت ماشيتهم، والمال أقام قريبا من الماء، والرجل ادهن كل يوم وداوم على أكل النعيم، وعندنا استراح، كاسترفه، والرفه كصرد التبن، وبالكسر صغار النخل، والرفهة محركة الرحمة والرأفة، وهو رافه به راحم له، وبيننا ليلة رافهة، وليال روافه لينة السير ورفه عني ترفيها نفس.
والمعجم الوسيط ينظم هذه الكلمات وفقا لمعانيها، ولا يورد الرفاه، وكذلك لا يوردها الصحاح ولا لسان العرب، ولا بد أن البستاني عثر عليها في استعمال نادر؛ لأنه لا يورد أي شواهد تدل على وجود الكلمة في العربية، وحتى لو وجدت في نص من النصوص اللاحقة لجميع تلك المعاجم (ومنها تاج العروس ومقاييس اللغة)، فإن اختيارها غير موفق لسببين؛ أولهما ارتباطها بحزب الرفاه الإسلامي في تركيا، والكلمة، كما يقول لنا المتخصصون، مبتدعة من الرفاء وهو الاتفاق والانسجام، والأصل فيها التزاوج، ومصدر الخلط هو أن الشرح في المعاجم يقول رافاه مرافاة ورفاء أي وافقه، ورافاه تعني داراه وتعني حاباه، وصيغة التكثير المستخدمة (فاعل يفاعل) مشتقة من الفعل رفا أو رفأ (ولا يوجد في المعجم رفو) لا من رفه، وهكذا فمن المحتمل أن يكون المترجم قد تصور وجود الرفاه من رافاه! أما الفعل رفا أو رفأ فيعني تزوج أو أصلح الثوب بضم بعضه إلى بعض، (يقال رفا الخرق) ورفا فلان فلانا أي أزال فزعه وسكنه من الرعب، وهذه كلها معان بعيدة عما يقصد إليه المترجم، دون سند سوى معجم حديث لا يورد أي شواهد ويختلف عن تراث العربية كله.
وأما السبب الثاني فهو أن الرفاهية والترف من المعاني التي يصعب تصورها في
well-being
أو حتى في
welfare ، على نحو ما أوضحنا، ولله در الأستاذ سمير عفيفي كبير مراجعي الأمم المتحدة الذي حاول تنبيه المترجمين إلى هذا الخلط، ولكن الكلمة جذابة لطرافتها؛ ولأنها كما سبق أن ألمحت، تحيل القارئ إلى الكلمة الإنجليزية التي يتصور المترجم أنه يعرفها، وهذا مذهب بالغ الخطورة في الترجمة إلى العربية. (9-25) وهاك أخيرا بعض الأمثلة التي توضح الفروق المشار إليها: (10) In the 1960s Galbraith’s
Affluent Society
spearheaded a whole movement of appraisals and re-appraisals of what had been thought a unique achievement by the West, namely the creation of a society that really cared-the so-called welfare state. (10) كان كتاب مجتمع الرفاهية الذي أصدره جالبريث في الستينيات بمثابة رأس حربة لحركة ترمي إلى تقييم وإعادة تقييم ما كان الناس يعتقدون أنه من المنجزات الفريدة للغرب؛ أي بناء مجتمع يهتم بأفراده اهتماما حقيقيا، أو دولة الرعاية المزعومة.
كلمة
affluent
Page inconnue