تراهن خلف القوم خزرًا عيونها ... جلوس الشيوخ في ثياب المرائب
وهي ثياب فيها خطوط " عنترة "، أن كانوا قد جلوه في ترتيب الكتاب المصنف في أشعار الجاهلية آخرًا فأنه المتقدم بالنظر إلى معاني الغوص فمن يصدر عن فكرته مثل قوله:
جادت عليه كل عين ثرة ... فتركن كل حديقة كالدرهم
وخلا الذباب بها فليس ببارح ... غردًا كفعل الشارب المترنم
هزجًا يحك ذراعه بذراعه ... قدح المكب على الزناد الأجذم
ومن جملة هذه القصيدة:
ولقد ذكرتك والرماح نواهل ... مني وبيض الهند تقطر من دمي
فودت تقبيل السيوف لأنها ... لمعت كبارق ثغرك المتبسم
ومن محسناته في التشبيه قوله:
يدعون عنتر والرماح كأنها ... أشطان بئر في لبان الأدهم
طرفة: ورد في شعره مرقص كدّره إستغلاق لغته وهو قوله:
يشق حباب الماء حيزومها بها ... كما قسم الترب المقابل باليد
وهذا عندهم من التشبيه العقيم يصف به السفينة في شقها البحر وإنقسام الموج عن حريتها والمقابل الملاعب بالتراب الذي يقسمه ليخفي في أحد أقسامه ما يستخرجه صاحبه. ومما يدخل في المطرب قوله:
فسقى ديارك غير مفسدها ... صوب الحياء وديمة تهمي
وقوله:
والستر دون الفاحشات وما ... يلقاك دون الخير من ستر
لو كنت من شيء سوى بشر ... كنت المنّور ليلة البدر
زهير: أكثر ما إشتهرت به الحكم والأمثال مما يدخل في طبقة المقبول، وأستحسنوا له في التشبيه قوله:
كان فتات العهن في كل منزل ... نزلن به حب الفنا لم يحطم
وحب الفنا هو عنب الثعلب، وهو إذا لم يحطم أحمر، وقوله:
بكرن بكور أو أستحزن بسحره ... فهي لوادي الرأس كاليد للفم
ويدخل له في المطرب قوله:
وأبيض فياض يداه غمامه ... على معتفيه ما ثغب فواضله
تراه إذا ما جئته متهللًا ... كأنك تعطيه الذي أنت سائل
وقوله:
وفيهم مقامات حسان وجوههم ... وأندية ينتابها القول والفعل
على مكثريهم رزق من يعتريهم ... وعند المقلين السماحة والبذل
وما يك من فعل أتوه فإنما ... بناه لهم آباء آبائهم قبل
وهل بنبت الخطى إلا وشيجة ... وتغرس إلا في منابتها النخل
وقوله:
ومن لم يصانع في أمور كثيرة ... يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم
ومن يعص أطراف الزجاج فإنه ... يطيع العوالي ركبت كل لهذم
" علقمة ": قوله معاني الغوص في شعره معدومة، وأقرب ما وقع له:
أوردتها وصدور العيس مسنفة ... والصبح الكوكب الدري منحور
يشير إلى أن كوكب الصبح مثل سنان الحربة طعن به فسال منه دم الشفق، وإذا تبين هذا المعنى كان من المرقصات، وقد بينته في قولي:
كم زرته ورواق الليل منسدل ... مسهم راق إعجبًا بأنجمه
وأبت والصبح منحور بكوكبه ... وسائل الشفق المحمّر من دمه
وقوله:
يحملن أترجة نضخ العبير بها ... كأن تطيابها في الأنف مشموم
يشير إلى ما نال هذه المرأة من مضض السير، وأصفرار لونها كالأترجة، وأنها ما تحركت زيد طيبًا خلافًا للتحرك البشري، " ومنه " أخذ إبن الرومي وغيره تشبيه المرأة بالروضة لطيب غرها في السحر بخلاف أنفاس البشر.
" أعشى بكر ": أكثر ما وقفت عليه من أوصافه الخمرية التي إشتهر بها أعرابية جافية يخرجها جفاء نمطها عن المرقص وإن كانت حسنة التشبيه وأقرب ما له من ذلك قوله:
تريك القذى من دونها وهي دونه ... إذا ذاقها يتمطق
ومن مطرباته قوله:
وترى الزق لدينا مترعًا ... حبشيًا كب عمدًا فأنبطح
ومنها قوله:
والشعر يستنزل الكريم كما ... ينزل رعد السحابة السبلا
ومن مرقصات قوله:
غراء فرعاء مصقول عوارضها ... تمشي الهوينا كما يمشي الوجى الوحل
كأن مشيتها من بيت جارتها ... مشي السحابة لا ريث ولا عجل
وقوله:
1 / 8