هكذا ظل جيمي، خلال أيام الدفء العامرة، محافظا على أمانة سيد النحل على قدر استطاعته، بمساعدة مارجريت كاميرون، وقد بذل ذهنه أيضا نشاطا بقدر ما بذله جسده. وأسرع مما توقع بلغ سفح العرش. لم يكن التسلق سيئا على الإطلاق وقد وجد بالفعل، قريبا على الجانب المواجه للبحر من الصخرة الكبيرة، أخدودا طويلا على شكل مقعد رائع، مقعد يناسب منحنيات جسده، مقعد يمكن عند فرشه بمعطف العمل الخاص بسيد النحل أن يكون رائعا للاستلقاء عليه، والاستجمام، والتشبع من الشمس، وتنفس الهواء المشبع بالملح عند هبوبه من غرب القمة.
لم يكن قد وصل إلى مرحلة أن يقرر إن كان سيصمد. كان ذهنه مضطربا فحسب تتنازعه الأفكار والتخمينات والاحتمالات. فإن سأله أي شخص، شخص له الحق أن يسأله، ورد عليه ردا صريحا، كان سيقول إن ستة شهور، دون أي شك مطلقا، ستكون مدة توليه تلك المهمة. فقد صار في أسوأ حال بعد عام من الحصول على أفضل علاج استطاعت الحكومة توفيره له. فكان يعتقد أن ستة شهور تقريبا ستكون النهاية. كان أحيانا ينتابه بعض القلق لأنه لم يتلق الدعوة لزيارة المستشفى. وظل في الساعة السادسة كل ليلة يرد على الهاتف ويبلغ بأن سيد النحل يتعافى بصعوبة. وأنه لم يكن قادرا بعد على الحديث أو التفكير في العمل.
وكان في كل مرة يتلقى واحدا من هذه التقارير، يتصل بالكشافة الصغير على الرقم الذي أعطاه له ويخبره بالتقرير . وقد جاء الكشافة الصغير إلى الحديقة مرتين في زيارة قصيرة بعد المدرسة. وكان جيمي في كل مرة يفترق عن صديقه الجديد بأسف أشد. حيث يتجلى له جانب جديد من عقلية الصغير فيدهشه، وأحيانا يصدمه، وأحيانا أخرى يسعده، وأما مسألة جنسه، فلم يقترب من التحقق منها قيد أنملة عما كان في اليوم الأول.
بعد عشاء اليوم التاسع، سلك جيمي سبيله للمرة الثانية بامتداد الجدار الخلفي، عابرا الشاطئ، وتسلق ليصل إلى العرش. كان متزودا بقبعة قديمة عريضة الحواف متدلية ومعطف قديم. تسلق العرش ولبث عند مقعد خاص به تمكن من صنعه بجهد كبير وقوة فاقت ما كان يظن أن باستطاعته استجماعها. كان قد جمع بعض القطع المهشمة من الصخور ورتبها ترتيبا مختلفا متنحيا أكثر جهة اليسار، وهكذا صار لديه مقعد. متلفعا بالمعطف، جلس على المقعد ليواجه السماء والبحر بحقيقتهما السرمدية. لم تكن الأرض ظاهرة في المشهد على الإطلاق. كانت صفحة السماء تقترب: وأمواج البحر الهادئة تتدافع، وبعيدا في الأفق توهج لون أحمر خافت علامة على موقع الشمس التي ألقت بأشعتها على العالم الذي راح يتحول عنها شيئا فشيئا.
عندئذ استغرق جيمي أكثر في التفكير. فقد كان ذهنه يعمل كثيرا تلك الأيام. فهو ما زال يتأمل الموت، لكنه على الأقل صار لديه تصور أكثر شجاعة في مواجهته. وحين أخذ يتأمل الحياة، لم يكن يفكر في نفسه، أو يلقي باللوم على حكومته، أو يشفق على سائر الرجال المصابين. إنما كان يفكر في ذلك الشيء الوحيد الذي ربما يمكنه فعله وماذا قد يكون ذلك الشيء الذي سيشفع له بعض الشيء، حين يواجه خالقه، على استنفاده أيامه الأخيرة.
الفصل السابع
سيدة العاصفة
أتى اليوم الجديد غارقا في الضباب والسكون ثم هبت رياح باردة لم يأبه جيمي بمجابهتها. وفي المساء فقط، حين نظر من الشرفة الخلفية وجال ببصره في المنظر الممتد أمامه، أدرك أن الشيء الذي كان يريد أن يراه سيحدث. فقد بدت ومضات البرق في الأفق. وبدأت ألسنة متشعبة من الضوء تومض في السماء وساد سكون مشئوم، وبعيدا في اتجاه الشمال والغرب أمكنه أن يرى سحبا سوداء كبيرة وقد أخذت تتكتل وتتجمع.
شد جيمي قامته. وقال لنفسه: «إنها عاصفة!» وأضاف: «العاصفة! أقسم بكل ما في الكون من خير وسلام، أن أراها من العرش ولو كان ذلك آخر شيء أفعله في حياتي!»
تفحص الحديقة، وأزاح عدة أشياء يمكن للرياح العاتية أن تتلفها، وبحرص أغلق النوافذ وأوصد الأبواب، ثم ذهب إلى الخزانة التي عند الرواق الخلفي وفتش بين متعلقات سيد النحل عن ملابس مناسبة. بسط معطف النحل والمعطف القديم، ثم وجد معطفا واقيا من المطر ثقيلا كان هو ما يحتاج إليه بالضبط.
Page inconnue