ابتسم جيمي ابتسامته بالغة الود.
وقال: «سوف تخبرينني إذا عرفت، يا مارجريت، أليس كذلك؟»
فأجابته مارجريت، وهي تسايره وترد على ابتسامه بابتسام: «حسنا، بالقطع أعتقد أنني سأفعل». وتابعت: «فلا أرى أي سبب يجعلني لا أفعل ذلك. أعتقد أنني سأخبرك إذا عرفت؛ لكنني بصراحة وصدق يا جيمي ليس لدي أدنى فكرة من عساه قد يكون الذي نسق الباقة بالذوق الفني الرفيع الذي وصفته بحماس شديد. هل صادقت أيا من الجيران؟»
قال جيمي: «تعلمين أنني لم أفعل!» وتابع: «لا يوجد أي جيران على الجانب الغربي. قد يصبح هناك جيران في المستقبل، وأنت جارتي من الجهة الشرقية، ولا معرفة لي بمن بعدك من جيران. بالطبع يوجد بالأسفل على الشاطئ يوميا مئات الناس، لكن بعيدا عن كونها أشد زرقة، ربما تبدو هذه الحديقة مثل أي حديقة أخرى منحدرة إلى الشاطئ. فلا يأتيها زوار على حد علمي. الحقيقة يا مارجريت أن المنزل اليوم يشوبه شيء يحيرني. والباقة التي في غرفة نومي أحد الأشياء. كما أن كرسي سيد النحل سحب إلى جانب المدفأة ووضع أمامه الخف الذي أرتديه، فهل أنت من فعل ذلك، ما دمنا نتحدث في الموضوع؟»
فقالت مارجريت كاميرون: «لا، لم أفعل ذلك. لقد شعرت أن كرسي سيد النحل شيء جدير بالتبجيل والتكريس له، وقد احترمت نقاء سجيتك الذي منعك من الاستيلاء عليه. لا بد أن أوطن نفسي على عدم المبالاة برؤية رجل آخر يستخدمه. وإنني صراحة أفضل أن أراك أنت تستخدمه عن أي شخص آخر أعرفه، لكنني لا أستطيع أن أراك جالسا عليه الآن من دون أن أستاء.»
قال جيمي: «خيل لي أنه سيعتريك ذلك الشعور الذي اعتراني، ورغبة في أن أكون أكثر جدارة باكتساب المزيد من السنوات والمزيد من المعرفة، لأبلغ أفضل مستوى أستطيع الوصول إليه؛ فلا أجرؤ على الطموح بشغل ذلك الكرسي قبل أن أرتقي وأصل لأقصى ما في وسعي. لقد أخبرتني أن لديك ابنة مسافرة للتدريس في إحدى المدارس وأن لديك ابنة صهر تأتي لزيارتك باستمرار، وإنني أتساءل إن كانت إحداهن قد تكون أتت معك وربما هي التي رتبت الأشياء بطريقة مختلفة عن طريقتك.»
هزت مارجريت كاميرون رأسها نفيا. «لقد سافرت لولي إلى أقصى شمال الولاية مع المدرسة التي قبلتها، متجهة إلى ساكرامنتو رأسا. ولا يمكنها التنقل مجيئا وذهابا حتى انتهاء الفصل الدراسي. لا أجد غضاضة في الإقرار بأن المنزل أشبه بالقبر من دونها، وقد ذرفت الدموع لأنها في واحد أو اثنين من آخر خطاباتها ألمحت إلى أنها قد لا تعود للديار لقضاء إجازة الصيف، وأنها قد تذهب مع معسكر للبنات إلى يوسيميتي. ولأحدثك بالحقيقة، لقد انتابني شيء من الاستياء من مولي. إذ أشعر في قرار نفسي أنها أسهمت في إلحاق ابنتي بمدرسة بعيدة عن المنزل، ولا أعلم لماذا فعلت ذلك. التذرع بأنها ستحصل على راتب أكبر لا يضع في الاعتبار أنها ستضطر إلى إنفاق جزء كبير جدا من راتبها على الطعام والسكن، في حين أنها لو ذهبت للتدريس في المدينة، لأمكنها استخدام الترام والعودة إلى المنزل للمبيت ليلا وقضاء يومي السبت والأحد. لم أجرؤ على قول أي شيء لمولي إذ إنني قبل بضعة شهور - ذلك الوقت حين كنت مسافرة عندما جئت أنت - ذهبت إلى المدينة لرؤيتها. كانت مصدومة صدمة مروعة. لم يكن لها سوى قريب واحد مباشر في الدنيا، هو أخوها التوءم دونالد، ومنذ غرق أبوها وزوجي في البحر معا، آويتهما في منزلي حتى بلغا في التعليم ما يؤهلهما للعمل والتكفل بأنفسهما. كانوا كلهم أصدقاء. لكن كانت الصداقة بين دون ولولي أشد مما أردتها. فلم يكن دون متمتعا بما لدى مولي من حزم، ولا برؤيتها للحياة. أعتقد أنه كان خائر القوى وواهن العزيمة نوعا ما، وقد ظللنا جميعا نجاهد سنوات لمنعه من التورط في العديد من الأشياء التي ما كان يجب أن ينجرف إليها. كانت لولي دائما من تستطيع كبح جماحه والسيطرة عليه، إذا أمكن من الأساس. كنت سعيدة بعض الشيء حين التحق بعمل وابتعد، لكن ذهاب مولي للعمل في مدرسة في المدينة جعل هذا المنزل خاويا وموحشا للغاية حتى إن ابنتي سارعت لحزم أمتعتها ورحلت هي الأخرى، وأنا أشعر في قرارة نفسي أن مولي خططت لذلك، وهو ما لم يرق لي.
ومن ثم، على نحو مفاجئ، اتصلت بي مولي لآتي سريعا، إذ كانت في ضائقة، وحين وصلت وجدتها في حالة من الانهيار لم أتخيل قط أنها قد تصل إليها. فقد جاء خبر بوفاة دون. كانوا قد وجدوا له عملا؛ وظيفة جيدة، في مصنع كبير للمساحيق في سان جواكين، وبدا أنه كان يحبه ويبلي فيه بلاء حسنا. لست على علم كاف بالكهرباء لأعرف كيف حدث ما حدث، لكنه ارتكب خطأ ما؛ فما لبث أن مات مصعوقا بالكهرباء على نحو سريع. وقد استدعينا لولي، لكنها لم تأت. بعثت برسالة تقول إنها حزينة حزنا بالغا حتى إنها مرضت ولازمت الفراش، ولن تستطيع الحضور، وقد توقعت أن تحزن حزنا بالغا يجعلها سقيمة وتلازم الفراش. فإن لولي ابنتي. رزقت بها في زواجي الأول. فلم تكن قريبة قرابة حقيقية للطفلين الآخرين. كان السيد كاميرون زوج أمها، وربما كانت مشغولة بدونالد أكثر بكثير مما كنت أعتقد. على أي حال، اضطررت أنا ومولي إلى دفنه وحدنا. وكانت مولي في كرب شديد حتى إنني أكاد أكون سامحتها. كما أنني لا أدري حقا، إن كانت هي التي خططت لإبعاد لولي عن المنزل. كان ذلك شعوري فحسب. لقد انزعجت من الأمر برمته كثيرا مؤخرا، حتى مولي لم تعد تأتي كثيرا كما اعتادت أن تفعل، ولا أعرف السبب، فأنا في الحقيقة كان يهمني كثيرا أمر الفتى وكان من الممكن أن أشاركها الحداد عليه بصدق وإخلاص.
والآن تأتيني خطابات من لولي تلمح إلى أنها ستذهب إلى أقاصي الشمال في الولاية في إجازة الصيف ولن تأتي الديار إلا بضعة أيام قبيل نهايتها، وتعود بعدها مرة أخرى للعمل من أجل العام الدراسي الجديد. ما كان يفترض أن يصبح هذا حالنا. أتساءل أحيانا إن كنت أبالغ في التهذيب والتدقيق بشأن خروج الفتيات وما يفعلنه. لا يبدو من الحال الذي أصبح عليه الشباب اليوم أنه يمكن للأم أن تبالغ في التدقيق، فهي إن فعلت فستبعد صغارها عن البيت، ولا أظن أنها ستجني من ذلك سوى حسرة شديدة. ومن ثم، كلا، لم تكن أي من فتاتي معي. وإذا كان ثمة لمسة أنثوية في منزلك اليوم لا تعرف مصدرها، فإنني أقول لك صراحة إنني لا أعرف من صاحبتها أو من أين جاءت.»
جعل جيمي يمعن التفكير.
Page inconnue