تمام البيت. فأعجب الأمير ما كان منه، وراقه بيانه، وأعجبه شكله، فقال له: إلزم السرادق. فلما جالسه وحدثه إزداد قبولًا له ورغبة فيه، فاستخدم واستخصه، ثم استكتبه بعد حين لسره.
وكان قبل هذا اتخذه كاتبًا لوزرائه إشراكًا لهم فيه على رسم من تقدمه، فحدت محمدًا همته على الترفع عن ذلك للتفرد بأعلى المنازل، وكتب إلى الأمير عبد الرحمن يستعفيه من قصد وزرائه كتابًا يقول فيه: إن من وسم بميسم كتابته أعزه الله وشرف باسمها لجدير أن يعتلى عن كتابة وزرائه، ويزدهي بجصانة أسراره.
تنبيهه إياه، فأفرده بكتابته، واتخذ للوزراء كاتبًا مفردًا لكتابتهم، فجرى الأمر على ذلك من بعد الأمير عبد الرحمن إلى آخر الدولة.
وكان محمد بن سعيد هذا من أحد عجائب الدنيا في قوة الحفظ، يضرب بحفظه الأمثلة، على تصديق ما يؤثر من ذلك من مشهور الحفاظ من صدر هذه الأمة.
فذكر عنه ابنه حامد بن محمد قال: جاءه يومًا مستجد توسل إليه بشعر امتدحه به سأله أن يأذن له في إنشاده، ففعل، وجعل الشاعر ينشده له مسحنفرًا في نشيده، ومحمد مطرق. فلما فرغ من شعره ذهب إلى مغالطته له، فقال له: يا هذا، ما الذي دعاك أن تنتحل شعرًا لغيرك، فتقلبه فينا؟ وكنت في غنى عن ذلك، فقد كان في قصدك لنا وماتة أدبك إلينا ما نقضي به ذمامك،
1 / 173