التمهيد لصاحبنا أبي عمر يوسف بن عبد البر -وهو الآن بَعْدُ في الحياة فلم (١) يبلغ سِنَّ الشيخوخة- كتاب لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله أصلًا، فكيف أحسن منه (٢)، وكتابه في الصحابة ليس لأحد من المتقدمين قبله مثله على كثرة ما صنّفوا في ذلك (٣) ".
قال: "ولصاحبنا أبي عمر تواليف لا مثل لها في جميع معانيها" (٤).
وَحَسْبُكَ بأبي محمَّد مُثْنِيًا، وكان من أقرانه، وَجَرَتْ بينهما مناظرات ومنافرات، ومع ذلك فيروي (٥) عنه بالإِجازة (٦)، وتوفي سنة ست وخمسين
_________
(١) في م: لم.
(٢) رسالة في فضل الأندلس وذكر رجالها لابن حزم. (ضمن رسائل ابن حزم) ٢/ ١٧٩.
(٣) يقصد كتاب الاستيعاب في معرفة الأصحاب، قال الضبي في بغية الملتمس ص ٤٩٠: "وهو كتاب حسن كثير الفائدة، رأيت أهل المشرق يستحسنونه جدًا ويقدمونه على ألف في بابه"، وقال ابن الصلاح في نوع معرفة الصحابة من كتابه معرفة أنواع علم الحديث، ص ٤٨٥: "هذا علم كبير، قد ألّف الناس فيه كتبًا كثيرة، ومن أحلاها وأكثرها فوائد كتاب الاستيعاب، لولا ما شانه به من إيراده كثيرًا مما شجر بين الصحابة، وحكايته عن الإِخباريين لا المحدثين، وغالبٌ على الإخباريين الإكثارُ والتخليط فيما يروونه"، وَدَرَس مآخذ ابن الصلاح على ابن عبد البر دراسة تفصيلية ووضح الأمر في ذلك الأستاذ ليث سعود جاسم في كتابه: "ابن عبد البر الأندلسي وجهوده في التاريخ"، ص ٤٢٦ فليراجع.
(٤) رسالة في فضل الأندلس وذكر رجالها ٢/ ١٧٩.
(٥) في م: فروى.
(٦) يعتبر ابن حزم من أقران ابن عبد البر وتلامذته في الوقت نفسه، فقد تلقى عن ابن عبد البر علم الحديث وروى عنه في كتاب الإِحكام في أصول الأحكام في مواضع عديدة، منها: (٨/ ١٠٦٧، ١٠٧٠، ١٠٧٣، ١٠٧٤)، وفي كتبه الأخرى كالفصل في الملل والنحل (٤/ ٧٤، ١١٢)، وأيضًا فإنه صاحبه في الأخذ والتلقي عن شيوخه كابن الفرضي وابن الجسور، ولم ينقل عن ابن حزم أنه تكلم في ابن عبد البر بكلام شديد أو جارح، بل كان مثنيًا عليه، معظمًا لشأنه على الرغم من أن ابن عبد البر قد ردّ على ابن حزم في كتابيه التمهيد والاستذكار، لكن هذه الردود كانت تلميحًا، وليست تصريحًا. (انظر ما كتبه =
1 / 41